باسم عباس..
الشاعر الرومنسي يهدي قصيده لفلسطين
بقلم: أنور الخطيب
في هذا الزمن المكتظ بالمهزومين المتخلّين عن أحلامهم، الذي ينأى فيه المثقفون بأنفسهم عن تناول فلسطين في أحاديثهم وثرثارتهم، في هذا الزمان الذي يخشى الشعراء الاقتراب من مفردات مثل: فلسطين، والقدس، والفدائي، والثورة، والمقاومة، والنصر، في قصائدهم ونصوصهم، في هذا العصر الذي باتت فيه الرومنسية (بمعناها الحقيقي) شمعة ذابلة وموسيقى هادئة وإنساناً منطويا، يظهر شاعر من جنوب لبنان بشموخ وثقة، ليقول إن قضيته المركزية هي فلسطين، ويذهب أبعد فيؤمن أنه لو ضاعت فلسطين نهائياً فسيضيع لبنان ومعه الوطن العربي. هذا الشاعر هو المبدع الكبير باسم عبّاس، الذي أصدر ديوانه الثاني عشر (خرير الدهر) وأهداه (إلى فلسطين). وصدر عن دار البيان العربي للنشر.
خذي يا قدس أيامي وأحلامي/ خذي رمل الحكايات التي حاكت حدود فمي/ خذي أوراقي البيضاء والسوداء، أنهاري، خذي حممي/ وصبّيها على من يزرع الظلمات في سهلي وفي قممي/ فأنت نداؤنا الأوّل/ وأنت رداؤنا الأجمل/ وأنت أميرة الأمم/ لعينيك اللتين البحر بعضهما، وبعضهما سماء/ يراعٌ عنقدَ التاريخ منه/ فأعشب صيفه وشدا الشتاء/ وأوراق كأنّ بها طباقاً/ فأسطرها لظىً/ عيناه ماء…
قد لا تتكرر فلسطين أو القدس أو أي مدينة أو قرية فلسطينية كثيراً وبشكل مباشر في قصائد الديوان الـ (27)، إلا أن روح الوطن المغتصب حاضرة بقوة في كل قصيدة، فمعجم الأستاذ عباس الثريّ يشمل معاني التمرّد والحث على المقاومة، والانتفاضة، والشهادة، والحصار، والقتال، والدم، والموت، وعناصر الطبيعة، والتساؤل عن السكوت والقنوط والتردّد في القتال، ومفردات كثيرة لصيقة بقضية فلسطين العادلة.
ذكرت الرومنسية في بداية حديثي، بمعناها الحقيقي، وقد يُدهش القارئ أو الناقد حين أصنّف الشاعر باسم عبّاس بالرومنسي، لانتشار معنى مغاير ومتداول للرومنسي، وهو الإنسان الحالم الساهر المستمع للموسيقى الناشد للهدوء الهادئ العاشق للطبيعة. صحيح أن المدرسة الرومنسية تشمل كل ما سبق لكنها تستند أكثر على الفروسية ومحاربة الظلم والاستعداد للتضحية بالروح في سبيل نصرة المظلوم وتحقيق العدالة ونيل الحرية. والتاريخ الأدبي مليء بالشعراء الذي قاتلوا الدكتاتوريات واستشهدوا في سبيل ذلك، ولا سيما الشعراء الإنجليز رواد المدرسة الرومنسية مثل: ووردز ويرث ولورد بايرون وكولوريدج وشيلي، كما أن الحنين إلى الطفولة ومحاولة استعادتها بهدف استرداد البراءة جزء رئيس من الرومنسية، فالرومنسي يقدّس الطفولة والطبيعة والعدل والفروسية، وبالتالي فهو ثوري الروح والممارسة. وباسم عباس في هذا السياق شاعر رومنسي من الطراز الأول، لا يكاد يخلو سطر من ديوان الموسوم بـ خرير الدهر إلا ويتضمن مفردة من الطبيعة: الزهر، البحر، الجبال، الوديان، الرياح، الصباح، المساء، العطر، الصخر وغيرها الكثير.
هذه ليست مقالة نقدية ولكنها تحية حب وإعجاب واعتزز بإنجاز الشاعر المناضل الرومنسي، وهو يهدي عصاره قلبه وفكره وخياله لفلسطين. شكرا باسم عباس، ومبارك لك ولنا (خرير الدهر) المهدى إلى فلسطين.