المرأة الوطن والأرض ولعنة التشظّي في رواية “ثالث ثلاثة”  بقلم: نجاة الشالوحي

المرأة الوطن والأرض ولعنة التشظّي في رواية “ثالث ثلاثة” بقلم: نجاة الشالوحي

المرأة الوطن والأرض ولعنة التشظّي في رواية “ثالث ثلاثة” لـ أشرف المسمار

نجاة الشالوحي

رواية “ثالث ثلاثة” الصادرة عن “دار ناريمان علوش للنشر” للروائيّ اللبنانيّ أشرف المسمار، تروي قصّة امرأة تعاني من رواسب طفولة غير سوية، فأمّها تتّصل بها هاتفيًا في أوقات متباعدة، والأب لا يستطيع أن يكون البديل عنها (ص 18) ولا باستطاعته فهم احتياجات حياتها، فهو بخيل المشاعر والحبّ والاحتواء (ص 19) وبغياب الأمّ تفقد “يم” الدعم العاطفي، ألم يقل جبران خليل جبران “فالذي يفقد أمّه يفقد صدرًا يسند إليه رأسه ويدًا تباركه وعينًا تحرسه”.

وتزداد حاجة يم إلى أمّها في هذه المرحلة الحرجة من التحوّلات النفسيّة والجسديّة، التي نقلتها من الطفولة إلى المراهقة، وخوفها من هذا التبدّل، الذي أثار رعبًا في قلبها (ص 16)، فهذه الطفلة/المرأة تحتاج للتأهيل النفسيّ، والاحتضان والدعم، وهذا ما افتقدته يم، لذلك اتسمت شخصيّتها بالعديد من الاضطرابات النفسيّة والسلوكيّة، فلم تتقبّل جسدها، ولم تراعِ خصوصيّته، ولم تشعر “بالاعتزاز بسبب طبيعتها المتفرّدة التي منحها الله لها، طبيعة جسد المرأة المؤهّل لاحتضان ونمو البشريّة جمعاء في رحمها” (ص 18).

ولم تستوعب الطفلة/المرأة هذه التغيّرات الهائلة فلجأت إلى العزلة، ثمّ تقرّبت من إحدى قريباتها، وهي امرأة ثلاثينيّة وكانت تتمتّع بقوّة بدنيّة تبعد عنها ملامح الضعف (ص 20) وأوّل مرّة ضمّتها فيها إلى صدرها شعرت بحنان الأمّ (ص21) وهي التي لا تعرفه ولم تختبره، ولم تختبر حتّى “عناق الفتيات الصديقات” (ص 22) ولقد كانت بحاجة ماسة إلى هذه المحبّة والمودّة، وهذا التواصل منحها الأمان وحسّن مزاجها، ثمّ بدأت تقوم بتصرّفات وأفعال تركت في ذهن الطفلة/المرأة وذاكرتها الكثير الكثير، وأثّر في ما ستقدم عليه لاحقًا” (ص 24).

 

وحين أصبحت يم شابة تزوجت بحكم العادات والتقاليد، ومن دون قصّة حبّ، تُمهّد لهذا الارتباط. والزواج لم يُلبِّ حاجاتها النفسيّة والجسديّة، فالرجل الشرقيّ ليس مطالبًا بإشباع زوجته نفسيًّا أو جسديًّا (ص 37). وبسبب الحرب في سوريا قرّر الزوجان الهجرة إلى أوروبا…

وصوّر الروائيّ بأسلوب فنيّ ورشيق، بعيد عن الملل والتكرار، الصعوبات التي اعترضت يم، ولاسيما بعد وفاة زوجها الذي كان سندًا لها ورفيقًا، وتذليلها لكل التحدّيات التي اعترضت طريق هجرتها. ويطلعنا على حقيقة العالم الغربيّ ويدحض ادعاءاته حول حقوق الإنسان والمحافظة على حرّيّاته.

وفي الغرب تحظى يم بالاهتمام والرعاية والتشجيع على تغيير هويّتها الجنسيّة، لتتحوّل من امرأة إلى رجل، بدلًا من احتوائها لتقبّل هويّتها الجنسيّة الأصليّة، ودعمها لمعرفة أسباب التشظي والضياع، فيبدأ الطمس بتغيير اسمها من يم ومعناه البحر(ولا يمكن فصل البحر عن رمزية الماء، وهو رمز لحركيّة الحياة وفعاليّتها، ويرمز الماء إلى الرحم، ذلك العالم الأولي الطبيعيّ للسكون والحبّ) إلى “يام” ومعناه الضال، لقد ضلّت يم حين وافقت على تغيير هويّتها الجنسيّة علّها ” تجد الأمان، وتجد أناها التائهة، فقوّة الرجل ونضوجه وعضلاته المفتولة أسرتها، حدّ الذوبان بشخصيّته” ( ص 12).

وتتساءل يم: هل حلمها أن تتحوّل إلى رجل كان سرابًا؟ كلّما اقتربت منه تجد نفسها أبعد. وتظهر شخصيّة يم المتشظّية في مونولوج داخلي مع شخصيّتها المتحوّلة (يام الرجل) ويتبلّور هذا التشظّي في الانتقام من (يام).

فهل ستنجح يم في تخطّي هذا الصراع، وتكتشف آلية الدفاع عن هويّتها الجنسيّة الأصيلة؟ أم أنّها ستنغمس في وحول المثليّة؟

وباستطاعتنا قراءة الرواية من زاوية أخرى، فكلّ شخصيّة تحمل رمزًا. أليس كلّ من يهجر عاداته وموروثاته تصيبه لعنة التشظّي؟ أليست المرأة الوطن والأرض؟ أليس من يستبدل وطنه وأرضه كمن يغيّر هويّته الجنسيّة؟

رواية “ثالث ثلاثة” تستحق عناء القراءة وتحمل الكثير من الرموز والتأويل

اترك تعليقاً