كريمٌ في التاريخ وفي عين الله!
هكذا قرأتُ دافع الزميل الصديق، الدكتور روني سمعان خليل، إلى الإضاءة على قامةٍ ملكيّة زحليّة لم يخبُ وهجه منذ ما يقارب الربع وقرن على اعتلائه الأعتاب السماويّة، “بطرس الرابع الجريجيري، بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق والإسكندريّة وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك (١٨٤٠- ١٨٩٨- ١٩٠٢)”.
كتيّبٌ حجمًا، كتابٌ قيمةً، قسمه المؤلّفُ اثنين، بحثًا تاريخيًّا أكاديميًّا. القسم الأوّل سيرةُ البطريرك وإنجازاتُه، والثاني “ملحق وثائق”.
يشكر المؤلّف بدايةَ الكتاب، الأرشمندريت بولس نزها “الذي رافقني خلال فترة إعدادي لهذا البحث وقدّم نصائحه العلميّة القيّمة”. ذلك منذ اهتمامه للنصّ يوم كان بعدُ منشورًا في مجلّة “تحوّلات مشرقيّة” حتى تقديم كلّ ما يلزم ليتحوّل إلى الكتاب الذي صارَه بين أيدينا. هذا يقوله نزها في التوطئة القدّمَ فيها للكتاب.
طبعًا، النصّ علميٌّ في امتياز، مُسندٌ إلى مصادر ومراجع ذُكرت في المتن وجُمعتْ في لائحةٍ ختمت النتاج. وبالتالي لا تروح القراءةُ في المنحى العاطفيّ أو الانحيازيّ البتّة. ولولا الخاتمة الصغيرة الوضعها المؤلّفُ لما وجدناه في البحث من داخل على الإطلاق. هذا لا يعني أنّه وفّر تزويدًا باهتمامات السلطات القائمة عهدَ البطريرك الجريجيري بغبطته وتقديرها إيّاه، من خلال الحديث عن تقديمها البراءات والتكريمات لشخصه من جهة، واستقباله تكرارًا في مقرّاتها وصروحها.
ركّز الباحثُ أيضًا على المنجزات الجريجيريّة إبّان خدمته الكهنوتيّة والأسقفيّة والبطريركيّة تباعًا. ما يدلّ على احترافيّة الدكتور خليل التاريخيّة، المتّكئة على العمل التوثيقيّ المثبت. ما أبعدَ النصَّ عن مشاعرَ إيمانيّة جارفة، تأخذُ صاحبَ السيرة إلى البطولة المسيحيّة والدعوة إلى المطالبة بقداسته مثلاً.
ما أضافه الكتابُ خصوصًا في اعتقادي، هو تعريفٌ موضوعيٌّ جميلٌ ووافٍ، بشخصيّةٍ كنسيّة طبعت الجماعة الملكيّة الرأست خدمتَها في آخر نهايات القرن التاسع عشر وأوّلِ بداية العشرين، بطابع الخدمة الرئاسيّة الفائضة عطاءً.
شكرًا د. روني لهذا الإنجاز. نعِدُنا بسلسلة إضاءاتٍ مماثلة من يراعتكَ البحثيّة المُحبّة للجدّيَة، والغارفة من مَعين الحقيقة الدرّيّ!!
في ١٩ أيلول ٢٠٢٤


