أخي أنور
تحية محبة واحترام
تأخرت عليك بالكتابة والزيارة. لقد شغلتني أنت عنك. لقد أصبحت أتكلم مع هذا الفيلسوف الراقص النيتشيّ، العبقري/ المسكون. أُعجبني رقصه على حوافي الكلمات حتى في تقديم نفسه. أحببته كما أحببت بدرجات الزعيم ومليكة وعوشة وحتى حمزة الزوزني. أصبحت مسكونا بهؤلاء حتى أصبح من الصعب عليّ التواصل مع الآخرين. لقد أعجبهم كما يبدو جو عين عنوب؛ ما أخشاه أن ينقلبوا يوما عليك ويطالبونك بالتغيير. قررت أن أحاول وضع كتاب عن رقصة الفيلسوف وأنا بصدد بناء ارضية. أود بهذه الرسالة أن أخبرك أنك معي من خلال هذا الرقص الممتع، وأضعك في صورة ما أود أنجازه.


رقصة الفيلسوف ليست رواية تقليدية تتبع تعاليم جوستاف فريتاج، وليست رواية توثيقية، أو ٍسياسية أو اجتماعية أو تاريخية أو نفسية، الخ. لكنها كل هؤلاء بهويتها الفريدة، إنها ملحمة في هيكليتها وأسلوبها هي دائرة من دوائر الكون، بدايتها في نهايتها ونهايتها في بدايتها. يبدأ الفيلسوف في البحث عن الذات وعن الوطن، يسأل الآخرين، “كيف تشعر وأنت في وطنكً؟” لأنه ضليلٌ بلا وطن. يلح عليه السؤال من “المُبعد” الفلسطيني، ويكون الجواب عود على بدء، “قصيدة لم تُكتب بعد.”
الدائرة هي الأساس في هيكلية العمل الذي وكما قلت أعلاه ليس رواية، بل ملحمة تحاكي الرواية في عنصر التشويق. وبالمناسبة أعجبني جدا مصمم غلاف رقصة الفيلسوف الذي أدرج كلمة رواية بحجم صغير جدا، ربما لأنه وجد صعوبة في قبولها كرواية. سأعود للغلاف عند الحديث عن الفيلسوف. الدائرة هي التي منعت العمل من أي تماهٍ مع هرم فريتاج، لأن النمط الملحمي يعتمد على الدائرة وليس الخط الطولي. نستطيع القول أن كل جزء من الملحمة هو عمل قصصي تقليدي يتبع هيكلية العرض وحادثة التشويق وارتفاع الحدث مع التعقيد لبلوغ الذروة؛ ومن ثم التحول وهبوط الحدث للوصول إلى الخاتمة ثم الحل. الدائرة ليست هي الهدف بحد ذاتها، بل رمزيتها هي الهدف. فكل دائرة هي فكرة، كما يقول الفيلسوف. “إن حجرا في بحيرة يساوي تأثيراً من الرجال المحيطين بالأفكار….” (208) والدائرة ترمز إلى الصيرورة، وإن “لا شيء يبقى على حاله” (209). مرجع الصفحات هنا هو طبعة (دبي: مداد للنشر، 2021)
الجزء 1 من العمل يقوم على دوائر: دائرة الموقع “ظهر في وسط العتمة كلؤلؤة في عمق محيط”، دائرة الحضور، “أخذت جلستنا شكل الدائرة داخل الخيمة المنصوبة،” وهناك دائرة داعش والحيوانات المفترسة الافتراضية التي تحيط بالخيمة؛ ودائرة الخوف التي خلقتها هذه الدائرة الافتراضية، “أرجوكم تحركوا، إن شئتم إقامة حلقة بأجسادكم حول الخيمة” (10)، ليقول أحد الحضور” اذهب وحدك وارسم الحلقة بجسدك وحدك در وحدك حول الخيمة، بكل سرور يا دكتور؟؟” (10-11). ثم هناك الدوائر التي تخلقها الراقصة الشرقية غير العربية بجسدها، ودائرة الجنس “تمايلت المرأة داخل الحلقة،… تحول جسدها إلى أبجدية تخاطب الحضور وتغويهم، تُحرّك، تُسكّن، تفتح، تضم،، تكسِر، تنصب وترفع، نسي الحضور الحيوانات والدواعش والطعام، شعر كل فرد بمخاطبتها له وحده” (12) والدائرة هنا ليست هدفا بقدر ما هي رمز أو وسيلة، يفضحه تعليق الزعيم عندما يسأل: “يا أبا البشاير، هذه الراقصة الشرقية الأصيلة القديرة ليست عربية.” (13). وسياتي التوضيح لاحقا لأن فنانة الرقص الشرقي العربية عندما ترقص، فالإغواء هو هدفها، بينما هدف الأجنبية هو اسمى. وربما هناك علاقة بين هذا النوع من الفن والرقص الصوفي الذي أيضا يعتمد على الدائرة وتكثر الإشارة إليه في العمل.
الجزء 11 هو الأهم بالنسبة للدائرة والأفكار واستراتيجية العمل. وهنا مدخل الى نيتشه ونبيّه الراقص زرادشت. رقصة الفيلسوف أطروحة دوائر. والعمل بحد ذاته دائرة بالمعنى الإيجابي؛ هي دائرة لأنها كاملة مضمونا، فالقارئ يضيع في لجها ويغرق إن لم يجيد العوم. وهي كاملة شكلاً فنهايتها هي بدايتها ونهايتها هي بدايتها. الفيلسوف المتجول مثل فرسان القرون الوسطي في أوروبا يذهب ليبحث عن حلم ويرجع دون تحقيق هذا الحلم، ويبقي يحلم، لأن مشروعه “قصيدة لم تكتب بعد.” كما هي الدائرة، هي كاملة في نوعها…
إن مفتاح العمل يقابلنا في صفحة 205 من الرواية.
حاولت التخلص من توحش المرأة … فتشكلت دوائر صغرى (207-208)
منهجية العمل:
تطبيق المنهجية على رقصة الفيلسوف:
.
