رحيل ماريو فارغاس يوسا

رحيل ماريو فارغاس يوسا

وفاة الحائز على جائزة نوبل للأدب ماريو فارغاس يوسا، الكاتب الجنوب أمريكي الكبير، عن عمرناهز ال 89 عاماً .

انطوان يزبك
بتصرف عن مقالة للصحافية الأدبية
جولييات بومييه

يُعد فارغاس يوسا من الشخصيات البارزة في أدب أمريكا الجنوبية، وهو روائي وكاتب مقالات، و أيضاً مرشح سابق لرئاسة البيرو، كما اشتهر بمواقفه السياسية اليمينية المتشددة. قيل عنه انه كان غارقا في السياسة إلى العظم بالمستوى عينه في الأدب.
توفي الروائي البيروفي المجنّس إسبانياً ماريو فارغاس يوسا يوم الأحد 13 أبريل 2025 في ليما (بيرو)، كما أعلن إبنه الأكبر ألفارو في رسالة نُشرت على منصة “إكس”، وقعها أيضاً شقيقه غونزالو وشقيقته مورغانا. عن 89 عاماً. هو الحائز على جائزة نوبل للآداب لعام 2010 . ألّف أعمالاً أدبية غزيرة الإنتاج، وكان أستاذاً في فن الرواية دون أن يهمل المسرح أو القصة القصيرة .
هذا الكاتب الذي تناول في أعماله صراعات السلطة، كان مرشحاً خاسراً في الانتخابات الرئاسية في بيرو عام 1990. بدأ نشاطه السياسي ضمن صفوف الشيوعيين الشباب في بيرو، ثم تبرّأ منهم في مطلع الثمانينيات، ليتبنّى التوجّه الليبرالي، قبل أن ينحاز لاحقاً إلى اليمين المتطرف في أمريكا اللاتينية.
وكتب ابنه في رسالته: “لن تُقام أي مراسم عامة. نحن والوالدة وأبناؤنا مقتنعون بأننا سنحظى بالمساحة والخصوصية اللازمتين لنودعه كعائلة، برفقة أصدقائه المقربين.
وُلد ماريو فارغاس يوسا عام 1936 في أريكويبا (بيرو)، في عائلة من الطبقة المتوسطة. نشأ مع والدته، متنقلاً بين بيرو وبوليفيا. كان والده العسكري غائباً عن حياته، وغالبا ما يُقال له عنه : إنه “في السماء”. لكنه عاد فجأة يوم عيد ميلاده العاشر: إرنستو فارغاس مالدونادو كان حياً يُرزق. تلقى إشعاراً بولادة ابنه لكنه تجاهله، ثم ظهر بعد عشر سنوات مطالباً بالعودة إلى أسرته. وقد حكى يوسا هذه القصة بعد نحو خمسين عاماً في كتابه “السمكة في الماء” (1993)، وهو الجزء الأول من سيرته الذاتية المؤلفة من جزئين.

انتقلت العائلة إلى حي راقٍ في ليما. وكان والده، بشخصيته الاستبدادية، رجلاً عنيفاً وغارقاً في الديون. فأرسل ابنه، البالغ من العمر 14 عاماً، إلى مدرسة داخلية عسكرية. هذا الأب الغيور والقاسي حاول إخماد موهبة ابنه في الكتابة. لكنّه فشل. بل إن مقاومته لتلك السلطة كانت الدافع لأن يصبح كاتباً. وقال يوسا عام 2010: “قبل أن أتعرف على الاستبداد السياسي، كنتُ قد عرفتُ الاستبداد الأبوي…
ما كنتُ لأصبح كاتباً لولا أن والدي كان بهذه القسوة… كانت مقاومتي تتمثل في الانغماس في الأدب”.

لذلك كانت روايته الأولى تثير غضب العسكريين ؛ فقد استوحاها
من تجربته في المدرسة الداخلية، وعنوانها :المدينة والكلاب (1963)، وهي عمل أدبي صادم يتناول الكبت الجنسي لدى مجموعة من المراهقين الخاضعين لتربية عسكرية عبثية. عند صدورها، أحدثت الرواية ضجة كبيرة وفازت بجائزتي “مكتبة بريف” و”جائزة النقد الإسباني”، ما منحها شهرة دولية. لكن الجيش البيروفي غضب من الرواية، وأحرق ألف نسخة منها في فناء المدرسة العسكرية في ليما.
في الجامعة، انجذب فارغاس يوسا إلى الأدب الفرنسي، وسارتر، والماركسية .
انضم لفترة إلى الحزب الشيوعي البيروفي وساند الثورة الكوبية. في أواخر الخمسينيات، حصل على منحة دراسية وانتقل إلى أوروبا، حيث واصل دراسته في جامعة مدريد، وناقش أطروحته حول الشاعر النيكاراغوي روبين داريو. وفي عام 1959، فازت أول مجموعاته القصصية “الزعماء” بجائزة ليوبولدو ألاس.

غارسيا ماركيز ويوسا: صداقة مكسورة!..
في العام نفسه، تزوج من جوليا أوركويدي، شقيقة زوجة خاله، التي تكبره بعشر سنوات. و عادا و انفصلا عام 1964. استلهم علاقته بها لكتابة” الخالة جوليا وكاتب السيناريو” (1977). ثم تزوج من إبنة عمه باتريسيا يوسا، التي أنجب منها ثلاثة أبناء وانفصل عنها عام 2015.
في أوروبا، كوّن علاقات مع أدباء من جيله، من بينهم كارلوس فوينتيس، وخوليو كورتاثار، وخوسيه دونوسو. وأهمهم كان غابرييل غارسيا ماركيز، الذي تعرف عليه عام 1967 في مطار كاراكاس، وأصبحا صديقين مقربين وجيراناً في برشلونة ، لكن الخلافات السياسية فرّقت بينهما. فقد أصبح يوسا من أشد منتقدي كاسترو، في حين ظل ماركيز من أكبر المدافعين عنه وانتهت صداقتهما عام 1976، حينما لكم يوسا صديقه السابق في بهو قصر الفنون الجميلة في مكسيكو. وتقول الروايات إنه صاح: “هذا من أجل ما فعلته بباتريسيا في برشلونة”. ورغم الشائعات، لم يُفصح أي منهما عن تفاصيل الحادثة.
مرشح رئاسي خاسر في عام 1990 :
في الثمانينيات، تخلّى عن ماضيه اليساري، وأصبح من المعجبين بثاتشر وريغان. وكان يقرأ لآدم سميث وهايك وكارل بوبر. ترشح للانتخابات الرئاسية في بيرو عام 1990، وخسر أمام ألبرتو فوجيموري، الذي أُدين لاحقاً بجرائم ضد الإنسانية. بعد الهزيمة، انتقل إلى مدريد، وأصبح مواطناً إسبانياً عام 1993. وقال لاحقاً: “لا أندم على شيء. لقد اكتشفت الوجه الحقيقي للسياسة، حيث تتجمع أسوأ صفات البشر”.

نوبل، و”لابليياد”، والأكاديمية الفرنسية :
في عام 2010، نال جائزة نوبل للأدب، تقديراً لـ”رسمه لخرائط السلطة وصوّر مقاومة الإنسان وتمرّده وفشله”. وقد واصل إنتاجه الأدبي، وكتب روايته الضخمة “حفلة التيس” (2000)، عن نهاية ديكتاتورية تروخيو في الدومينيكان محققا نجاحاً واسعاً.

كما خاض تجربة المسرح أيضاً، واعتلى خشبة المسرح للمرة الأولى عام 2015 في مدريد، بعمل مستوحى من الديكاميرون. وقال حينها: “أشعر بالخوف والارتباك، لكن في الوقت ذاته، إنها تجربة جديدة ومُنعشة”.

في 2016، دخل نادي الكتّاب المنشورين في سلسلة “لابليياد” الفرنسية المرموقة، وهو حيّ. وفي 2021، انضم إلى الأكاديمية الفرنسية، ليصبح أول عضو فيها لم يكتب أبداً باللغة الفرنسية، وهو ما أثار بعض الجدل بسبب مواقفه السياسية.
رحل كاتب “حفلة التيس” بعد أعوام من النضال السياسي متأرجحا بين اليمين واليسار لا فرق ولكن كم بقي في العالم من حكام تيوس و طغاة و قتلة شعوب و أمم ؛ صحيح لم يعد هناك من صورة للدكتاتور النمطي المحاط بالحرس والرعب والمهابة المصطنعة ولكن استبدل بعقول شيطانية تخطط وتحكم في الخفاء وتبث الرعب والقتل في كل أنحاء العالم؛ ولا أحد يتحرك ليوقف المجازر !.

اترك تعليقاً