مواجهة أنفسنا قبل مواجهة «داعش»
بقلم محمد الحمادي
تاريخ النشر: الإثنين 13 يوليو 2015
لم يعد يخفى على أحد أن قوة «داعش» و«النصرة» وغيرها من المجموعات الإرهابية ناتجة عن ضعف المسلمين والعرب والمجتمع الدولي في مواجهتهم، وعدم التركيز في إصابتهم في ما يضعفهم، الأمر الذي أدى إلى العجز عن إيقاف تجنيدهم أعداداً أكبر من الشباب.. ذلك جانب مهم، إلا أن هناك حقيقة كبيرة يجب عدم القفز عنها، وهي أنه لا يمكن مواجهة «داعش» إذا لم نواجه أنفسنا ونصحح أخطاء الماضي. فـ«داعش» نتيجة لسنوات من الخطاب الديني المتشدد، لكن مشكلتنا كعرب ومسلمين أننا نرفض الاعتراف بذلك، كما أننا لا نريد أن نعترف بأن أجزاء كبيرة من خطاب «داعش» كانت خطابات منتشرة في دولنا العربية، وكانت تردد -بشكل مباشر أو غير مباشر- في مساجدنا وفي خطب الجمعة، وكانت تُردد في المحاضرات الدينية «الإخوانية»، أو السلفية، أو غيرها على ألسنة، وبالأصوات العالية، رموز تلك الجماعات الدينية! فلماذا نصر على أن ندفن رؤوسنا في التراب؟ ولماذا نحاول أن نحجب الشمس بالغربال بدلاً من أن نصحح تلك الأخطاء القاتلة؟
لن تفيد محاولات التستر على الماضي وأخطائه أحداً غير المتشددين من المتدينين الذين يتبنون خطاب «داعش». وإذا كنّا صادقين في رغبتنا في مواجهة «داعش» ، فلنبدأ بمواجهة الأفكار التي خرجت من الجماعات الإسلامية، والتي غذت الشباب بالتوجهات الدينية المتشددة، وجعلت الدين محور حياتهم وأبعدتهم عن أمور مهمة في الحياة، كانت ستفيدهم وتفيد أوطانهم، وتخلق لهم التوازن النفسي والاجتماعي والروحي، الذي يساعدهم على رؤية واقع الحياة والتحديات التي تواجه الأمة بمنظور موضوعي وواقعي، يستند إلى ما نعيشه اليوم، وليس إلى واقع عاشه أسلافنا قبل ألف سنة أو خمسمائة سنة مضت.
الحقيقة أن الخطاب الديني في كثير من الدول العربية والإسلامية، التي تدعي أنها ترفض أفعال«داعش»، هو في واقعه خطاب يرفد «داعش» بمزيد من الانتحاريين والمغامرين المغفلين.. وإذا لم تصحح بعض الدول من خطابها الديني وتعترف بالأخطاء التي تمارسها، والتي تؤدي إلى التطرّف، فلن ينتهي «داعش»، وإنما سيأتينا من هو أشر منه وأكثر خطراً. الواقع يتطلب أن يقف المتدينون مع أنفسهم قليلاً، وأن يراجعوا خطاباتهم الدينية، وينقحوها من الشبهات والمبالغات ومن الضعيف من الدعوات، وألا يتركوا دروس المساجد والمحاضرات لكل من هبّ ودبّ من الذين يصبحون فجأة وعاظاً وعلماء! وألا يسبغوا الألقاب على أنفسهم، فبمجرد أن يطيل أحدهم لحيته ويقصر ثوبه يسمى بـ «الشيخ»، وهو لا يزال مبتدئاً يحبو في طلب العلم!
فلنرتقِ بالخطاب الديني وننقح ساحة الدين من المتسلقين، ومن أصحاب أنصاف العلم الذين قرؤوا كتاباً أو كتابين وسمحوا لأنفسهم بالوعظ والفتوى، فلنعمل على إعادة هيبة علماء الدين الحقيقيين ليستعيدوا مكانتهم، فقد أصبحوا اليوم بلا هيبة، ولا يجدون من يصدقهم لكثرة اختلاط الخبيث بالطيب.. وهم من كانت تشد إليهم الرحال في يوم من الأيام. فليقتنع رجال الدين الحقيقيون بذلك وليعملوا على استعادة مكانة الدين بالتمسك بما جاء به نبي الرحمة، وذلك بنشر المحبة والتسامح بين البشر والتأكيد على الاعتدال في كل شيء والتمسك بنهج محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبالعيش في واقعنا الحالي ليس في كتب الأولين الذين نُكنّ لهم كل احترام وتبجيل، ولكن لهم زمانهم الذي مضى، ولنا زماننا وظروفنا وأولوياتنا التي نعتمد فيها على دستورنا القرآن الكريم الذي يصلح لكل زمان ومكان. لم يأخذ هذه الأمة إلى الوراء إلا تمسك البعض بكتب الأولين القديمة التي لم تعد تصلح لزماننا، بقدر ما كانت صالحة لزمانهم، فمتى نخرج من هذه العقدة، ونعتمد على أنفسنا في كتابة الحاضر والمستقبل، ونترك الماضي لأهله الذين رحلوا، دون أن نغفل عن أن نستفيد ونأخذ منهم ما يمكن أن يصلح من كلامهم لعصرنا وزماننا.
المقال كاملا على هذا الرابط”
المصدر: جريدة الاتحاد http://www.alittihad.ae/wajhatprint.php?id=85497