أحوال العتمة.. شعر إيهاب بسيسو …………………………………..

أحوال العتمة.. شعر إيهاب بسيسو …………………………………..

إيهاب بسيسو
إيهاب بسيسو

-1-
اللَّيلُ خطواتٌ على أطرَافِ الجَسَد
تنقرُ اللَّحمَ المُهيَّأ لدويٍّ قريب
قد أفلحُ في اصطيادِ رَأسي قبلَ المَعرَكة
حِزمةُ الرَّصَاص لم تتوهَّج كبَرقٍ وحشِيٍّ
يُلوِّثُ الوقتَ بشَظايَا ودُخان …
أذرفُ قلقاً سِرياً على الوسَادة
وخوفاً من رَأسٍ يَتدَحرَجُ بَعدَ مُنتصَفِ اللَّيل
… إلى النَّافِذة
يَلتهمُ ما يَرَى من تفاصِيلِ المَكان
أغمِضُ عيناً
أتركُ أخرَى للضَّجيج
… وخطواتِ الجُند
فأبصِرُ من شقِّ الحواسِ الضَّيق
ظِلاً يَدورُ كشَبحٍ ليلي بينَ النَّافِذةِ
… والجَسَدْ

قد أغفو مع الضَّجيج
أنقلُ إليَّ وقتاً جريحاً
مُصاباً بالرَّعشَةِ
… وشَظايَا زُجاجٍ مَكسور
قد أعَمَدُ إلى النَّوم
مُطلِقاً جَسَدي إلى قمَرٍ مُجَنّح
يُشبهُ حمَامَةً بيضَاءَ
لازالت تنتابُني
كلَّما أفلتُّ من مِعصَمِ الدُّخان
… وركضتُ بَعيداً عن المَسَافاتِ القتيلة

-2-
أرسمُ في المَنامِ طفلاً
يَصطادُ رَذاذَ المَوجِ بوَجهٍ صَباحِي
وأرسمُ بَحراً من زُرقةِ السَّماء
وشاطِئاً من صِبيَةٍ
يَقفزون نحو الغَيمِ بطائراتِ الوَرَقْ
وأركضُ على امتِدَادِ المَوجِ
كأنَّه لا طائرات فوقَ رأسِي
تخرجُ من أحشاءِ الغيمِ كتنيِّنِ الخُرَافة
أو حَدَقات على مَقرُبةٍ
تتكوَّرُ في مَناظِيرِ الجُندِ كأفعى
تتلصَّصُ على لهوِ الصّبية
حتى إذا ما التقوا في بُؤرةِ المَوتْ
قفزَتْ من رَأسِ الجُندِ
… كقبرٍ يتسعُ لأكثرَ مِن جَسَدْ

-3-
لي جُلجلةُ المَسَاء
طريقٌ يَخرجُ من الحِجَارةِ
مُتعرِّجاً نحوَ الأَلمْ
جَسَدٌ يَأتِي المَدينة مُمزَّقاً
سَليلُ الحكاياتِ والأًسطورة
… والأمكنةِ الخارجَةِ لتوِّها من مُحَاكمَةِ الأنبيَاءْ

يَقفزُ وَجهي نحو صُراخٍ يُشبهُنِي
فأسقطُ على ركبتيَّ
كصَبيٍّ كنتُ
… وأسقطُ
كطفلٍ أقصَرَ من سُنبلةٍ
وأمضِي في مَهَبِّ الدَّمِ
… كجَنينٍ يُلوِّحُ بنكهَةِ عُمرٍ لم يَكتمِلْ
وأصعَدُ شِقاً في السَّماءِ
فأمدُّ ذِرَاعيَّ لغرباءٍ يتحَلَّقون حولَ الشُّموع
… جِئتُ بظِلِّي
… وبي
… وبأطفالٍ تحرَّروا لتوِّهم من طوقِ الجَسَد

-4-
ليسَتْ الأمكِنةُ وَحدَها بَوصَلة مَجازٍ
يُولدُ من قتلى
… لم يُكمِلوا عُبورَ الوَقتِ نحو نهارٍ وراءَ الأفقْ
أُرَاقِبُ الطُّرقَ العابِرَة ثوبَ الحِدَاد
ثمّة مَجازٍ يُولدُ من ثنايا الوقتِ
كلَّما أفقتُ على حَركةِ المَدينة
الشُّرفاتُ تبسُطُ كفّها للضُّوء
الأزقةُ تحتفِظُ بصُوَرِ الغائبين في المُلصَقات
… وتمضِي
… تُنقِّبُ عن خُبزِ نَهارَها بين دَمعَتين

صِغارٌ يُولدون مع دَقاتِ السَّاعةِ
يَحفظون تضَاريسَ السَّماءِ
منذ الولادةِ
… وأين يَذهبُ الشُّهداءْ
ويَكبرون قبلَ اكتِمالِ القمَرِ
يَصعَدُون طبقاتِ السَّردِ
في الأمسياتِ التي حاكتها الأزقةُ
… من مِلحٍ وغِيَابْ
لهُم أسمَاءُ الرَّاحلين
وتشابُهٌ طفيفٌ يُقنعُ الأمهاتُ
… بسُلالةِ الرُّوح

كانت الجَنازةُ مِيلادُ فرَاغ في الصَّدرِ
… احتوَته الذاكِرَةُ بمِئاتِ القُبَلْ
-5-
لي عَمَلٌ سرِّيٌ في مَسَاءاتِ العَتمَة
أهبطُ إلى قاعِ صَدرِي
رُكنٌ خفِي لم يَطأه الجُندُ
يَتسِعُ للسَّردِ
… ولمَلامِح عدَّة
تخرجُ من طنينِ الوقتِ
بعَفويَّةِ وُجوهٍ تُفتِّش عن بَقايَاها الغائِبَة
أُضِيءُ وقتِي بما تبَقى من مُخيِّلة
… ألتقِطُ صِغاراً من الحُطام
وأُمَّهات
وصَبايَا
لم يُكمِلن العُمرَ الطريَّ على النَّوافِذ
… فتشَقَّقتْ أصَابعُهن في المِلحِ والطِّين

أُثبِّتُ الأسمَاءَ فوق كفِّي والمُدن
علَّهم إن تسَلَّلَ الضُّوءُ
انطلقوا إلى الفضَاءِ يُلملِمون الشَّمسَ
من تعَاريجِ التلالِ
ويَجلسون في استِرخاءِ الغَيمِ
دونَ خوفٍ من وَحشٍ مَعدنيٍّ
قد يَبتلِعُ وجوهَهُم
… كمَوتْ

-6-
وقتٌ من نحَاسٍ وجُند
يَعبرُ وجهي كأعِمدَةِ بَرقْ
تشطرُ الطَّريقَ الوَاصِلَ بين قصِيدتين
أقرأُنِي على ضُوءِ شَمعةٍ في عَتمةِ المَعَارك
المُدنُ تتشابه فيَّ
كمَا القرَى التي تخبِّئُ سِرَّها في صَدرِ النِّساءِ
… تعاويذ ومَفاتيحَ انتظِارْ
قد أجدُنِي شَمالَ الرِّيح
… أُضمِدُّ جُرحَ النبيذِ من بَقايَا مُعجزَةٍ في الجِرَارْ
وعلى امتدَادِ ذِراعِي
قد أرَى وجهي بين كفَّين
… مَحمُولاً نحو حُفرةٍ عَاجلة

-7-
جُندٌ يَنتشِرون فوقَ اللَّحمِ البشري مع الشّظايَا
يَشقُّون في الرُّؤوس مَمرَّات للدَّبابات
ويَحتفِلون بنثارِ الدَّمْ
… كلَّما نَفضتُ عن كفِّي جُندِياً تسَلَّلَ بإصبَعٍ من بَارود
… يَعودُ بجُثتين ورُكام
… المكانُ أضيقَ من الصُّراخ
لا وقتَ لفرَادِيس ِالأرضِ
أو حُلم بمدينةٍ تشُقُّ شَرنقةِ الميلادِ بأغنِية

لا وقتَ لامرأةٍ تنتظِرُ رسَالةً أخرى
قربَ الناَّفِذة
… أو قبلةً مع الوَرد

… كلَّما ترَكتُ جَسَدي للصَّدى
تناثرَ في العَتمَةِ
يجمَعُ الأزقة بعَفويَّةِ مِذياعٍ
يَلتقطُ ما سَقطَ من خوذةِ الجُندِ
… من مَعَارك

-8-
كلَّما طرَدتُ جُندِياً خارجَ النَّصِ
نَبتَتْ وَردةٌ على الجِدَار
ورأيتُنِي أحتفِلُ بعودَةِ الجَسَدِ من الجَسَدِ إليَّ
جُندي أخرَ تسَلَّلَ للتوِّ
أكشُطُ خطَاهُ عن صَدري
لوردَةٍ أُخرَى
تخرجُ من تعاريج القلقْ
وأظلُّ أحرُثُ الوقتَ للوَردِ
والقرُنفلْ
بمَزيدٍ من الشِّعرِ
كي لا ألحَظَ دَمِي النَّافِرَ
… فتسقطُ حَديقتي المُعَلَّقة

-9-
صَدري مَدينةُ العَائِدين من فوضَى الحَريق
يتمَدَّدون في اتسَاعِ المُخَيِّلةِ
ويَكبرون
ويَتزَاوجون
ويَملأون تضاريسَ الوقتِ
بإيقاعٍ عَفويٍّ لصِغارٍ
يَحلمون بغدٍ لن يُمطِرَ رَصَاصَاً
ليَخرُجوا إلى أعمارِهِم المُختبئةِ في صَدرِ الأفق
ألتقِطُ حكايَاهُم
وأجلِسُ كنصٍّ مُشرَعٍ
… على نِهايَات عِدَّة

https://www.facebook.com/ehab.bessaiso/notes

 

اترك تعليقاً