أنور الخطيب لمجلة حصاد الحبر: أنا مخلوق من حبر وورق وعمري 27 كتابا

حوار حصاد الحبر مع الشاعر و الروائي أنور الخطيب

حوار : سمية تكجي

قامة أدبية مميزة لها صولاتها و جولاتها في مدارات الحبر و عالم الكلمة ، مجدولة قصائده بعطور يمزجها بخلطته الفريدة …
في الحزن و في الفرح تجيد حروفه الرقص على حوافي القلب ، هو الهادىء كبركان …يرسم خط أنفاس القصيدة لتعلو مع شهقة القلب و تنخفض حتى شغف الأنامل على أوتار الكمان… نحيل الصوت كروح رشيقة تدق بنعومة واثقة على أبواب المعنى ، عندما تستمع إلى قصيدته أو تقرأها عليك ان تتأمل و تحلم و تفهم ما بين السطور كي تنفعل مع ايقاعها الداخلي ، باقتدار من يمتلك ناصية الكتابة أصدر العديد من دواوين الشعر و العديد من الروايات و لا حدود تفصل بين الإبداع و الإبداع ، يكتب الشعر و يقطف زهرة الوقت حين إلهام..و يكتب الرواية للسفر الى عالم أكثر حرية واتساعا لرؤاه و أسئلته …
فلسطين بوصلته، هو الأديب الفلسطيني الذي يعبر عن مواقفه في السياسة بحس وطني شامل بعيدا عن الإصطفافات الضيقة .
كان لنا معه على صفحات الحصاد هذا الحوار :

١-انور الخطيب الشاعر والروائي، برأيك، أيهما يروي ظمأ الإبداع أكثر؟

ج1- بدأت رحلتي الأدبية مع الشعر وعندما كبرت الأسئلة زحفت نحو القصة القصيرة، وحين ضاق القالب وجدتني في القصة الطويلة (النوفيلا) ثم استقر بي المقام في واحة الرواية. ولا يزال الشعر هو الخيط الخفي الذي يجمع الأشكال الإبداعية كلها، ولكن لكل شكل كأسه المترع بنوع من أنواع النبيذ، وأجودها ما يجيب على الأسئلة التي بدأت تطن في رأسي مذ كنت شاباً صغيراً، ولا تزال تكبر يوما بعد يوم، ومعضلة بعد معضلة، وهزيمة إثر هزيمة، النوع الذي يبلّل صحراء القلب هو الذي يتجسّد بعفوية ومن دون قصد، فبعض المشاريع الشعرية تحولت إلى قصص قصيرة، وبعض القصص تحولت إلى روايات، ورغم إصداري لسبعة وعشرين كتابا ما بين شعر وقصة ورواية إلا أنني لا أزال أشكو الظمأ، هنالك نار تستعر في جوف الروح تنشد ماء الكلام، وحين يهطل الكلام أستسلم له بكل ما أوتيت من قدرة على الامتصاص والاستقبال وإعادة الإرسال، فيرويني النص الشعري بعض الشيء، وتنجّيني القصة القصيرة من العطش، وتدلق علي الرواية ماءها، فتفيض على ضفّتي حيناً، وأواصل اللهاث خلف السراب أحيانا أخرى. فشكرا للكلمة التي أنقذتني مراراً من الكآبة، وشكرا للرواية التي حبستني لأواصل رحلة الشفاء.

٢- هل يمكن نقد الشعر، وقراءة غير المكتوب في المكتوب، ومواجهة الحدس والخيال باللغة و المنطق ؟ النقد و النقاد هل انصفوك؟

ج2- الكتابة عن الشعر تشبه إلى حد كبير ترجمة الشعر، كلتاهما تحاولان الصيد في غابة النص المتشابكة، ولكلٍ أسلحتها ووسائلها وغاياتها، ولا أستطيع استبعاد الشخصانية في التلقي، بمعنى أنه حين يموت الكاتب، يحاول الناقد إحياء ذاته في المكتوب، وكذلك المترجم، لكن الناقد لم ينج يوما من مكرٍ ما عن طريق أدلجة النص الإبداعي وتوظيفه ليخدم ثقافته وتوجهاته، وهذا ما قام به نقاد كثيرون حين تناولوا رواياتي وأحيانا بعض أشعاري، وبما أنني كاتب فلسطيني، فإن عقل الناقد يبدأ في البحث عن الرموز الوطنية، في الوقت الذي يتعامل مع قصة حب أو قصيدة غزلية، أليس من حقي ككاتب فلسطيني أن أكتب عن الحب كعاطفة جياشة، وليس عن الحب كتوقٍ للوطن؟ وهذا الكلام لا علاقة له بالإنصاف من عدمه. ومن جهة أخرى، إذا كان الإنصاف هو قيام كبار النقاد بالكتابة عن أعمالي فقد حدث هذا كثيرا، واستطيع أن أذكر بعضهم مثل جبرا إبراهيم جبرا، عبده وازن، محمود مدني، فضل النقيب، محمود الغيطاني، عزّت عمر، د. علي نسر، د. ثابت ملكاوي، صلاح صلاح، وعبد الحميد أحمد وجمعة اللامي، ود. يوسف حطيني، وغيرهم كثيرون، وأُنجِزت بحوثٌ جامعية حول رواياتي وأشعاري، وتمت ترجمة اشعاري إلى الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية، لكنها لم تنشر، وربما نُشرت لا أدري، فقد وصلتني الترجمات وقال المترجمون أنهم سينشرونها، بعضهم في فرنسا وآخر في الجزائر وآخر في إسبانيا، وطُبعت أعمالي في لبنان وسوريا ومصر والأردن والإمارات، وهذا أثر على التوزيع والانتشار، وأنا من الكتاب الذين لا يجيدون التسويق لأنفسهم. أما الشهرة وترسيخ الأسماء فهذا يتطلب دعم المؤسسات، وهذه مشكلة الكاتب الفلسطيني اللاجئ أو المغترب، فقد عشت معظم سنوات شبابي في الإمارات، وبالتالي لم أُحسب على الساحة الثقافية في فلسطين، كما أنني لم أُحسب على ساحة الإمارات، أنا لست مواطناً في المكانين، باختصار يا سيدتي، يمكنني القول: أنصفني النقاد ولم تنصفني المؤسسات، وحُرمت من جوائز كبرى بسبب غياب هذا (الظهر).

٣- بيسوا قال: الحياة وحدها لا تكفي، لذلك كان الأدب، ماذا تعني لك الكتابة، وهل هي ضرورة لا بد منها إلى جانب الحياة؟

ج3- منذ داهمني الوعي وأنا أكتب، ولا أذكر أنني توقفت عن الكتابة على مدى أربعة عقود تقريبا، أستيقظ لأذهب إلى العمل ثم اعود لأكتب، وأواصل الكتابة حتى أقع فريسة لسلطان النوم، الكتابة بالنسبة لي شفاء ومنجاة، شفاء من الجنون ومنجاة من الانتحار، وبين هذا وذاك لا يجب نكران المتعة، ممارسة الكتابة تتخللها متعة تشبه ممارسة الحب أحيانا، التمادي في وصف المشهد العاطفي يخلق لذة استثنائية، وأيضا لا يجب نكران العذاب حين تكون الكتابة استدعاء للذاكرة ومشاهدها المدماة، وهنا أيضا الإمعان في استحضار الحالات بروائحها وأصواتها وأنينها هو تعذيب قاس، كثيرا ما بكيت وأنا أكتب وواصلت الكتابة، كثيرا ما غصصت وواصلت، وهنا أيضا متعة من نوع خاص، فتحُ نوافذ وشرفات أمام الكبت الإنساني، انفجار يريح القلب والروح معاً. في هذه الحالة الخاصة بي، الكتابة ضرورة حتمية لا أستطيع تخيّل نفسي من دونها، هي الفضاء الذي يشعرني بالحرية المطلقة، الغرفة التي أمارس فيها كل شيء بعيدا عن كل أنظمة الرقابة. الكتابة باتت أسلوب حياة.

٤-قال أحد الشعراء في قصيدته أكتب في اللحظات الصعبة …اما اللحظات السعيدة يكفي أن أعيشها إلى اقصاها…هل الأدب هو فقط للمتعبين؟

ج4- في الواقع لا أدري إن كان الأدب للمتعبين أم للمرفهين، والدليل أن عالم الأدب مليء بالكتاب الأمراء والبارونات والملوك كما أنه مليء بذوي الاحتياجات الخاصة، حدث كثيرا معي أن كتبت نصاً عاطفيا غزليا مفعما بالشموخ في لحظات الحزن المأزومة، كما كتبت نصوصا شعرية ونثرية حزينة جدا في لحظات الفرح أو اللاحزن، وكأن النفس البشرية توازن نفسها بنفسها، كما أن علماء النفس لم يتمكنوا حتى اللحظة من اكتشاف طريقة ولادة النص الإبداعي، لا قانون يحكم ذلك، كل مبدع يختلف عن الآخر، ولهذا، يبدو أن المسألة تتعلق بالبصمة والجينات، منّا من يكتب وسط الضجيج، ومنا من يكتب في بيئة يسودها الهدوء والسكينة، وأنا منهم، لكن لكل قاعدة شواذ، إذ يحدث عكس ما سبق ذكره، ولأكون مباشراً أكثر، الأدب ليس للمتعبين، لكن المعاناة تلعب دوراً أكثر من السعادة في إنتاج النص الإبداعي، ولا تنتجه بشكل فوري، بل بعد أن يتخمر. أنا كتبت أقرب القصائد إلى قلبي في ظروف متأزمة وجاء النص بعنوان (طربٌ بالكون)، أعتقد أن القصيدة تشبه حالة الحبيب أو الحبيبة حين يعتريه الدمع وهو في أشد اللحظات هياما. إنه الإنسان يا سيدتي، لغز كبير، ومنبع إبداعه لغز لا يقل عن وجوده.

٥-انت الشاعر وانت طبعا القارىء النهم، أي كتب تركت فيك أثرا، الهمتك، ابكتك، حفزتك للكتابة ؟

ج5- كُتب كثيرة أثّرت بي، خاصة تلك الكتب التي قرأتها في الصغر مثل (هكذا تكلم زرادشت) لجوته، و(داغستان بلدي)، لرسول حمزاتوف، و(مدن الملح) لعبد الرحمن منيف، وفي المرحلة الجامعية تأثرت بالشعراء الإنجليز الرومنسيين مثل ووردز وورث وكولوريدج ولورد بايرون، وسرديا تأثرت بتشارلز ديكنز، ودي إتش لورنس، كما تأثرت بالسريالي لوتريامون، وبعدها في مرحلة نضج متقدمة قرأت القرآن الكريم والإنجيل وكتب دينية مقدسة عند الشعوب، وحين عملت في الصحافة واحتككت بمعارض الفن التشكيلي، بدأت اللوحة التشكيلية خاصة التجريدية تترك اثرا في نفسي، أما الأثر الكبير فقد تركه محمود درويش وغسان كنفاني وإميل حبيبي في نفسي ولاسيما في الأدب الوطني. ما أود أن أقوله أن التأثر يتراكم ويتحول إلى معرفة في اللاوعي، ولا يظهر كما هو النص الإبداعي، بل يتحول ويتقولب ويتماهى ويحضر ويغيب ويبرز ويختفي، نحن المبدعون والكتاب خلاصة المبدعين السابقين، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم لم نعترف، وهذا لا يشكل مشكلة حقيقية إلا إذا اقترب من التقليد. واليوم، بعد هذه الحصيلة من الكتابة والقراءة، لا أجد نفسي أتأثر بكتاب كامل أو بكاتب بعينه إنما بجزء محدد نادر ومميز لم يمر بي من قبل، ولهذا تصبح الدهشة بما نقرأ قليلة كلما تعمقنا، لأننا نكون قد تعرضنا لكم كبير من الجمال والدهشات، ولهذا ألجأ لقراءة كتابات لشبان وشابات في بداياتهم، فأعثر على كم كبير من الدهشة، لأنهم لا يزالون عفويين وتلقائيين لم تفسدهم التنظيرات والقصديات.

٦-درويش قال : اذا كانت بلدك حرة فيمكنك أن تحبها أو لا تحبها ، لكن اذا كانت محتلة فلا يمكنك إلا أن تحبها، أنت الفلسطيني حتى العظام ، ماذا كان سيختلف في أدبك لو لم تكن فلسطينيا؟

ج6- درويش يتفلسف هنا، وفلسفته نابعة من حقيقة أنه عاش في وطنه في ظل الاحتلال، وعاش في الرقعة التي تحررت من وطنه والتي تُدعى أراضي السلطة الوطنية الفلسطينية، وأعتقد أن كلامه مثقل بالرمز، وشخصياً لا أملك سوى أن أحب بلدي حراً أو محتلاً، أنا أحب فكرة الوطن، هذا الذي لم أعش فيه يوما واحدا، لكن عيني تدمع كلما شاهدت فيلما عن عكا أو رام الله، أما ماذا سيختلف في أدبي لو لم أكن فلسطينيا؟ أعتقد أنه سيختلف بشكل جذري، ربما ساكون كاتباً إنسانياً، رغم أن كتاباتي ليست كلها عن فلسطين، لدي روايات عاطفية بحتة، وقصائد عاطفية وإنسانية صافية، وليست فلسطينية، ولكن من قال أن قصيدة الحب ليست فلسطينية، وقصة العشق ليست فلسطينية؟ على كل حال إنها فرضية صعبة، لا أستطيع تصور نفسي غير فلسطيني.

٧- هناك أدباء يكتبون روائعهم في عمر الشباب و منهم من يكتبها في أعمار متقدمة ، ماذا عنك ؟ هل هناك أي قطيعة بين ما تكتبه الآن و ما كتبته منذ ١٠ او ٢٠ سنة ، ما هو عمر الكاتب ، و كيف ينضج الإبداع الأدبي؟

باقة من مؤلفات أنور الخطيب في الشعر الرواية

ج7- لا توجد قطيعة أبداً، وأنا أحب كتاباتي الأولى رغم ما يعتريها أحيانا من زلات فنية أو مباشرة في التناول واللغة والجملة الأدبية، أحبها لأنها كانت عفوية وحماسية وصادقة جداً، على المستويين العاطفي والوطني، ولو طُلب مني تعديلها الآن فلن أفعل، هي جميلة في الظروف التي كتبتها فيها، وفي حماسة الشباب وطيشه الأدبي والحياتي، أنا كتبت روايات عديدة بعد عمر الخمسين وأشاد بها النقاد كثيرا واستقبلها القراء في الوطن العربي بحب وتقدير، لكن ما كتبته قبل ذلك كان شديد الشفافية والصدق، وأشاد به النقاد أيضا، فقصتي الطويلة (الأرواح تسكن المدينة) على سبيل المثال كُتب عنها حوالي ثلاثين مقالا، وكانت أولى محاولاتي في القصة الطويلة (النوفيلا) القريبة من الرواية، والأمر ذاته ينطبق على الشعر، ما أردت قوله إن القطيعة غير موجودة إطلاقا لأنني دائم الكتابة، وإذا جاز لي وصفي فأقول إنني مخلوق من حبر وورق. وكل نتاجاتي هي عمري، أي أنا عمري الآن 27 كتاباً، وهو عمر أزعم أنه يتّسم بالنضج، لكنه يختلف عن العمر الزمني، والنضج مسألة معقدة أدبياً ونفسيا، لأنه يحدث بقصدية وتلقائية، وما يحدث أن طريقة القراءة تختلف عبر السنوات، حين ينضج الكاتب يفقد الاستمتاع بما يقرأ لأنه يُخضع ما يقرأ للمجهر، فيتأمل ويدرس ويقوّم، فكل كتاب جميل هو درس أدبي وحياتي مستقل، وهكذا، فإن القراءة هي العنصر الأول للنضج، القراءة الممنهجة والعشوائية، التخصصية والعامة، أما العنصر الثاني فهو التأمل الطويل، والتأمل شروع غير مرئي في الكتابة، وهو كتابة ما قبل الكتابة وأحيانا يكون كتابة ما بعد الكتابة، الأمر الثالث هو الاحتكاك بالناس والاستماع إليهم بشغف، وأحدد البسطاء منهم، وتخزين القصص والحوارات والصفات واللغات، وتخزين الحالات بهمومها وأفراحها، وقد ينضج الكاتب من دون أن يدري لأن عملية النضوج خط تصاعدي غير حاد، فهو لا يحدد النضوج وإنما الآخر من يحدد، ويخطئ الكاتب إذا اعتقد أنه نضج تماما، فيسقط في الغرور والتكرار، كما نرى في كتابات كثيرة نقدية وإبداعية، وبهذا المعنى أنا كاتب غير ناضج كما أريد، هناك دائما خطوة ثانية لم أخطها، وكتابة لم أكتبها، هنالك دائما الأجمل..

بعض إصدارات الشاعر أنور الخطيب

٨-الكاتب الفلسطيني يقع عليه عبء أكثر من أي كاتب عربي آخر، هو المسكون بالهوية، الزمان و المكان و اشكال أخرى من المعاناة…كيف تتجلى هذه المعاناة في نصوصه و خاصة في الشعر… و هل تعتبر رافعة للأدب؟

ج8- قد أوافقك الرأي بأن معاناة الكاتب الفلسطيني مختلفة عن الكاتب الآخر، لأنها معاناة مضاعفة، سياسية واجتماعية وعاطفية ويضاف إليها المعاناة الوجودية إذا ما داهمته الأسئلة المعقّدة خاصة تلك التي يواجه صعوبة في الإجابة عنها، رغم أنه يواجه صعوبة الآن، وفي هذا الظرف بالذات، في الإجابة على أسئلة الوطن، وأسئلة المصير، في ظل التشرذم الفلسطيني قبل العربي، وفي ظل الجهل الذي يستهدف المجتمعات الفلسطينية في الخارج (المخيمات مثلا). وإذا عدنا لمعاناة الشاعر سنجدها في أوجه كثيرة، هناك معاناة حياتية تتجسد في السوداوية المنتشرة في النصوص والقصائد، مقابل تراجع الحس الثوري والتغنّي بالنضال والبندقية، وهناك معاناة فنّية، إذ على الشاعر الفلسطيني أن يقدم نصاً أو قصيدة متقنة فنياً وفي الوقت ذاته يجب أن تكون بعيدة عن المباشرة والصراخ والأدلجة وتتضمن وضوحاً في التوجه والرؤى، وقد عانى الشعراء الفلسطينيون الكبار مثل محمود درويش وسميح القاسم وأحمد دحبور وعز الدين المناصرة وغيرهم من هذه المسألة، وبعيدا عن موضوع المعاناة، أرى أن المبدع الفلسطيني قد حُمّل أكثر مما يحتمل من قداسة، وحُرم من أن يحيا حياته بشكل طبيعي، فبعض الشعراء الفلسطينيين لا يكتب الغزل على سبيل المثال، وهذا أمر معيب لأنه صادر إنسانيته، ولهذا حين أُدعى إلى أمسية في المخيم، أحرص أن أقرأ شعراً غزليا وعاطفيا، وأُفاجأ بالتفاعل الكبير أيضا. أما بالنسبة للمعاناة كونها رافعة للأدب، فلا أعتقد أنها كذلك في مستواها الضيق، لأن أي كتابة أدبية تستند إلى معاناة، الكتابة نفسها معاناة كبيرة، ولكن لا يجب أن يكون الشاعر أو المبدع فقيرا ومُعدماً ومأزوما ويصاب بالصرع ومقهورا ومكبوتاً حتى يكتب، لأنه يستطيع أن يكتب، ربما أجمل، إذا توفرت له شروط الحياة الكريمة. الموضوع يا سيدتي واسع ومتداخل كما ترين.

٩- ما هو مشروعك الجديد ؟

ج9- مشروعي الجديد رواية اسمها (رقصة الفيلسوف) انتهيت منها مؤخرا، وديوان شعر أعمل على تنقيحه.

١٠ -سؤال ترغب أن يُوَجه إليك، و أجب عنه من فضلك.

ج10- السؤال هو: الإنسان الفلسطيني كائن سياسي، أين الأديب أنور الخطيب من السياسة؟ وسأجيب بالقول إن الإنسان العربي بشكل عام كائن سياسي والفلسطيني يحتمل خصوصية لأنه يعاني من الاحتلال الاستيطاني في فلسطين، ويعاني من مشاكل حياتية وأمنية في الشتات، وأنا منخرط في السياسة بمعناها الوطني الشامل وليس بمعناها التنظيمي الضيق، ولي مقالات عديدة نشرتها في الصحف الفلسطينية، واسمحي لي أن أوجّه من هذا المنبر الجميل الجاد رسالة مختصرة على شكل مناشدة للمثقفين والساسة الفلسطينيين: لا تتعاملوا مع المبدع وفق انتمائه السياسي. وأقول للمثقفين الفلسطينيين: كونوا مستقلين قدر الإمكان حتى تتمكنوا من من التعبير عن آرائكم بصراحة وجرأة بعيداً عن الانتماءات التنظيمية، ولتكن بوصلتكم موجهة نحو فلسطين فقط. أقول هذا حتى لا يقع المثقف أو السياسي في فخ المصادرة والاستبعاد للمبدع غير المنتمي للأحزاب والتنظيمات. والجميع في فلسطين والشتات يفهمون قصدي من دون أدنى شك.

١١-أي قصيدة تهدي إلى القراء؟

أهدي هذه القصيدة الأحدث في كتاباتي لأحبائي القراء:

جوف ناي

أيها الساكن في جوف نايٍ
تشبّث بضفتيّ قلب القصب
إن جاءك الفيض من راعي الهوى
لا تغادر عتمة المعنى
وامكث كما دمعِ الحطب
وإن أتتك الريح من ثغرها الثاني
سلّم خلاياك لها بل استسلم
واطلق يديكَ
وعدْ مع الفيض إلى رئة الغضب
أجمل الأصوات ما كبتَتْ صهيلَ العشق
وأفرجتْ عن الصلواتِ في عتمة دربْ
وإن تلذّذْتَ الوقوف في وسط الحناجر
استَجِر بالشّعر مثل طير الغيم
يمكث في الرذاذ منتظرا جنون البحر
ليلتقي بالرب
لستَ صوفياً لترقص في الهواء الرّطب
على وقع المزامير التي قتلتكَ يوماً
حين أفشيتَ سرّك للسّحب
لستَ احتكاكَ موجَبٍ بالسالبِ المنفيِّ في عسل الرطب
لستَ مُغنّياً في الغار تنتظر السماء التي أردتك
في جوف الحُجُبْ
أنت معضلة الأنا
يا نافخاً في الناي نأيك عن أناك
تغازل المنفى وتستجدي كرامات العَطَبْ
خذْ كلَّ ما في الروح من دمعِ الترابِ
اشتاقت الأسماء أسرار الحقب
افتح القصبَ المسجّى على ظهرِ المغنّي
واطلق اللحنَ المضمّخ باللهبْ
ارقص كما ريحٍ تحرّر قمْحُها من شوكها
واسقها دمك ال تشكّل من تضاريس الصخب

  • نبذة موجزة عن السيرة الذاتية

أنور الخطيب
روائي وشاعر ومترجم وإعلامي

روائي وشاعر وإعلامي فلسطيني، ولد في لبنان 1954 وحصل على ليسانس التعليم في اللغات الأجنبية، تخصّص لغة إنجليزية من جامعة قسنطينة في الجزائر، تفرّغ للعمل الصحفي لمدة 13 عاما في جريدة الاتحاد في أبوظبي، ثم عمل في الأقسام الإعلامية لعدد من مراكز الدراسات والمؤسسات الرسمية والوزارات السيادية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
• فائز بالمرتبة الثانية في مسابقة القصة القصيرة لصحيفة الرأي العام الكويتية في العام 1980
• فائز بالمرتبة الأولى لجائزة غانم غباش في دبي القصة القصيرة في العام 1991.
• فاز بلقب شاعر صحيفة (مقال) الإلكترونية الأول لعام 2011
• فاز بالمركز الأول في مسابقة (دبي أيقونة العالم) مجلد الوصل 2016
• تُرجمت بعض أشعاره إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والفارسية.

المؤلفات
الروايات
الأرواح تسكن المدينة// رحلة الجذور// رائحة النار // صراخ الذاكرة// أبابيل // ند القمر // المدثر // مندل// مس من الحب // فتنة كارنيليان// سماء أولى جهة سابعة// وردة عيسى// الكبش/ شوق مزمن
قصص قصيرة
1- خازوق // 2- مزايدات// 3- مطر في موسم البرتقال//
شعر
ألفة متوحشة // سيدة التعب // مري كالغريبة بي/ شجر ذاهب للريح // كلّي عاشق ونصفي غريب// لست الذي في المرايا// آيتي أن أكلم الناس// المغيّب الناجي من التأويل.
دراسات
1- المرأة وقيثارة الكلمة، مقالات في أدب المرأة في الإمارات، القصة القصيرة// دار الفنار – دمشق
2- الثقافة في الإمارات في ربع قرن – مؤسسة الاتحاد للصحافة- أبو ظبي/ الإمارات..

http://hassadlhibr.net/?p=2953

اترك تعليقاً