مجزرة نابلس والنوايا الثنائية المريبة

مجزرة نابلس والنوايا الثنائية المريبة

بقلم: أنور الخطيب

الشهداء الذين  سقطوا في نابلس، إضافة إلى عشات الجرحى، في الثاني والعشرين من شباط/فبراير، في عملية لا يمكن وصفها سوى بالمجزرة، تحت ستار ملاحقة المسلحين، الذين يسميهم العدو الصهيوني بالإرهابيين، وتسميهم السلطة الفلسطينية بالخارجين عن القانون الذين يحملون سلاحاً غير شرعي، في الوقت الذي لا يمكن إطلاق تسمية على سلاح المقاتلين سوى أنه الشرعي الوحيد وسط هذه الفوضى في التوصيفات والتسميات والاتهامات. وهذا ليس هو الموضوع الرئيس في قراءة المشهد، الموضوع الرئيس هو استباحة جنود الاحتلال لمدينة تقع، وفق الاتفاقيات، تحت إدارة السلطة الفلسطينية، والموضوع الرئيس يمس مستوى التنسيق الأمني، الذي سبق وأعلنت السلطة الوطنية عن تعليقه مع الاحتلال. والسؤال الرئيس هو: هل اقتحمت قوات الاحتلال مدينة نابلس غصباً عن قوى أمن السلطة أو بالتنسيق معها. لأن البيانات الرسمية للسلطة قبل اقتحام نابلس دعت إلى مطاردة (السلاح المتفلّت) في المدينة، وطالبت السكان بعدم إيواء حامليه أو التعامل معهم، بصفتهم أصحاب سوابق إجرامية، وهاربين من سجون السلطة. هكذا يبدو المشهد المعقّد أخلاقياً ووطنيا.

عشرة شهداء أو 12 شهيداً في يوم واحد ليس مجرد رقم في بيان لهذه الجهة أو تلك، إنها مجزرة تكاد تكون متّفق عليها مع جيش الاحتلال مباشرة أو غير مباشرة، الذي ربما صدم السلطة أو فاجأها باستخدامه القوة المفرطة، وقتل حاملي سلاح غير مطلوبين للسلطة. لكن رد فعل الأخيرة لن يكون حاداً لأنها تخلّصت من (مجموعة مجرمين) كانت تطاردهم.

التعامل مع جيش الاحتلال له توصيفات واضحة، وقتل المقاومين له توصيفات أوضح، والعملية كلها، عبارة عن جريمة، بغض النظر عن وسائل التنفيذ أو التخطيط أو جهات التنسيق. ووسائل الإعلام لا تأتي على هذه التفاصيل إنما تكتفي بذكر الاجتياح الإسرائيلي لنابلس، وإحصاء عدد الشهداء، في ممارسة مشبوهة في عملية قول الحيقة.

القيادي الفلسطيني عبّاس زكي طالب قبل الاجتياح بيوم واد بدعم المقاومة، وجاءت الترجمة في اليوم التالي كمجزرة في وضح النهار. رغم أن زكي لم يحدّد كيفية دعم المقاومة، ولا نوع المقاومة، هل هي المقاومة الشعبية التي يتغنّى بها فخامة الرئيس الفلسطيني، ويتركها مجرد كلمة طائرة في الهواء، ام هي المقاومة المسلحة، ودعم شباب كعرين اللأسود على سبيل المثال.

هذا الغموض في استخدام مصطلح المقاومة، يوازيه الغموض ذاته في استخدام مصطلح التنسيق الأمني، وكلاهما مربك حدّ الريبة، من دون الإتيان ببراهين.

الموضوع الأكثر سخرية يتمثّل في رد فعل مسؤولين في السلطة الفلسطينية، الذين قرروا ملاحقة الجناة في المحاكم الدولية، وهذا تصريح مشبّع بالمورفين، وموجه للشعب الفلسطيني، وليس للإسرائيليين (الجناة)، الذين اعتادوا على سماع ترّهات شبيهة في أكثر من مناسبة، ولم يُلاحَق أحد، والأدلة كثيرة.

السلطة الفلسطينية أمام أحد أمرين، إما أن تكون حارسة فعلية لأمن الفلسطينيين، ومنهم المقاومون، أو تسليم الإدارة لأشخاص يدركون قيمة الدم الفلسطيني، والخيار الثالث وهو الأجدى، حلّ السلطة الفلسطينة والانسحاب من الاتفاقيات ومنها اتفاقية أوسلو، كما هدّد فخامة الرئيس عباس سابقا، ووضع الراعين أمام مسؤولياتهم، والحلول الأخرى لن تكون في صالح الشعب الفلسطيني.

 

 

 

 

اترك تعليقاً