هذا اللاجئ القادم من وراء البحار
أنور الخطيب
هذا اللاجئ القادم من وراء البحار إلى مكان لجوئه الأول (المخيم)، هذا الفلسطيني القادم من الخليج أو أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية أو كندا أو أستراليا، بعد سنوات طويلة قضاها في العمل الجاد والمخلص، كان خلالها يساعد أهله وجيرانه وأصدقاءه ومعارفه في لبنان، هذا اللاجئ الفلسطيني للمرة الرابعة أو الخامسة، يكثر الحديث عنه وعن انتقاداته وملاحظاته بشأن أمكنة تجمّع الفلسطينيين، ويكيلون له اتهامات غوغائية، مرة بالاستعلاء ومرة باللاوطنية ومرة بالعمالة لطرف أو لآخر، هذا اللاجئ الذي لم ينفصل يوما عن هموم شعبه وظروف أهله، قام بدوره وهو في المنفى، ويقوم بدوره في أماكن اللجوء، بصفته مثقفاً مستقلاً له رؤية فيما يخص الشأن العام الفلسطيني، في المخيمات وغيرها، هذا القادم من وراء البحار إلى بحره القريب يعلن ما يلي:
- لا تعجبه الفوضى المستشرية في المخيمات الفلسطينية في لبنان، فوضى في استخدام الطرق العامة، وفوضى في المرور، وفوضى في النظافة، ويتألم حين يرى أكوام النفايات بين البيوت، ويبتئس حين يرى التعدّي على الطريق العام من دون حسيب ولا رقيب، ويطالب اللجان الشعبية وقوى أمن المخيمات التي تمثّل الفصائل والتنظيمات المسلحة وغير المسلحة أن تتصدّى لهذا الواقع الذي لا يشبه الإنسان الفلسطيني، وأن تواجه المخالفين بقوة وصرامة، وأن تقوم بواجبها التوعوي من خلال حملات التوعية المرورية والبيئية. فمن حق اللاجئ الفلسطيني العيش في بيئة منظّمة وآمنة ونظيفة خالية من التجاوزات المرورية والبيئية. الفلسطيني قيمة وطنية ويجب المحافظة على حياته.
- لا يعجبه الحس الوطني الآخذ في التراجع لدى أبناء المخيمات، إذ تتكرر مقولة (ثورة حتى آخر الشهر)، ما يعني أن الالتزام بالتنظيمات يعتمد على قدرتها على توفير مخصّصات آخر الشهر. ومن دونها قد ينفضّ الجمع وتنتهي الحالة النضالية. وتراجع الحس الوطني يشمل تعامل الفلسطينيين مع بعضهم بعضا، حين يحلّون مشاكلهم باستخدام السلاح والأدوات الحادة. ولهذا، لا بد من والبدء في حملة وطنية شاملة تتخللها ندوات ومحاضرات وأمسيات توعوية وثقافية وفنية وتنموية إنسانية، وحملات مسيّرة بمكبرات صوت تلفت نظر الناس للسلوكيات غير الصحيحة. الفلسطيني إنسان متحضّر ويحق له أن يعيش في بيئة متحضّرة.
- لا يعجبه تعامل الفلسطيني مع الفلسطيني في حالات كثيرة، ويجب رفع شعار داخل المخيمات: دم الفلسطيني على الفلسطيني حرام، ومال الفلسطيني على الفلسطيني حرام، وعرض الفلسطيني على الفلسطيني حرام، وبيت الفلسطيني على الفلسطيني حرام، فللبيوت حرماتها وللأعراض والأموال والدماء حرماتها، وهذه أخلاق الإنسان صاحب القضية المصيرية، أخلاق الإنسان الضيف والغريب. الفلسطيني ليس إنساناً انتهازيا، فلا تجعلوه كذلك.
- لا يعجبه الاستهانة بالتعليم، وإقدام الأهالي على إخراج أولادهم من المدارس قبل إتمامهم مرحلة الثانوية العامة أو المرحلة الإعدادية، والاستهانة بالتعليم خلق مجتمعاً جاهلا وعاطلا عن العمل والإنتاج. الفلسطيني إنسان يجب أن يكون متعلّماً، كان الفلسطيني في السبعينات والثمانينيات يتربع على عرش أعلى نسبة متعلّمين في الوطن العربي، فلماذا تدهور الوضع داخل المخيمات؟ الكل مسؤول.
- لا يعجبه الاتكال التام على الأونروا وعلى المخصصات الآتية من التنظيمات ومؤسساتها وفروعها، فهي ليست دائمة وإنما زائلة، وبالتالي، لا بد من العمل الجاد والمخلص والمثابر لتحقيق الاستقلال عن هذه المؤسسات التي تلعب بكرامة الناس وتتاجر بهم، وتجعلهم يتنازلون عن مواقفهم الوطنية. ورغم ذلك، إن ما يحصل عليه الفلسطيني من مساعدات تعليمية وطبية في حدّها الأدنى، هو حقّ له يجب أن تدفعه كل الأمم والدول التي ساهمت في تشريده وتسليم أرضه لكيان صهيوني غاصب.
- لا تعجبه مقولات تتردد باستمرار: (ما في شغل بالبلد، تعوّدنا على الفوضى والتلوث والقرف، فالج لا تعالج، الكل عايش هيك)، وبدلا من ذلك يجب العمل على استبدال هذه المقولات بأخرى تليق بشعب صاحب قضية. الفلسطيني إنسان يقدّس العمل وناجح، ولا يستسلم للأمر الواقع، وعليه أن ينحت في الصخر لتحصيل قوت يومه، ويرفع شعار: الشغل مش عيب. والعمل عبادة.
- لا تعجبه اللامبالاة لدى اللجان الشعبية أو بعضها في المخيمات، ومن المفترض أن هذه اللجان عبارة عن حكومات مصغّرة تدير شؤون سكان المخيمات بالتعاون مع الأونروا والتنظيمات، ويجب أن يكون لديها صلاحيات وسلطات، ويتعاون معها الجميع. اثبتوا للآخرين أنكم لستم يؤراً أمنية أو فوضوية. الإنسان الفلسطيني شريف ويرفض الفساد والفوضى والاستهتار بالأنظمة والقانون العام.
- لا تعجبه آلية التفكير عند كثيرين الذين يعتقدون أنه، (من ليس معي فهو ضدي، ومن ينتقد السلطة الفلسطينية إما عميل إسرائيلي أو عميل لدى أي جهة أخرى تنتقد السلطة الفلسطينية) ولن أسمّي أحدا، لأن كل من يعمل في الشأن الفلسطيني يجب أن يكون تحت المجهر ولا أحد فوق النقد، لا الرئيس محمود عباس ولا السيد محمد دحلان ولا إسماعيل هنية، والأطياف التي تتحرك بينهم. لا أحد فوق القضية المقدسة.
- لا تعجبه مواقف نسبة كبيرة من المثقفين الفلسطينيين الذين يرون الممارسات الخاطئة ويسكتون عنها، ويرون الممارسات غير الصحيحة وغير الصحية ويغضون الطرف عنها، ولا يبذلون جهداً في تثقيف أبناء شعبه وإرشادهم وتنميتهم. المثقف الفلسطيني يجب أن يكون صاحب موقف تجاه ما يحدث في المخيمات، وتجاه السياسات والمواقف الفلسطينية، وعليه ألا يداهن الجهة التي ينتمي إليها مقابل تحقيق منافع فردية. فهذه المنافع حقّ مشروع له لا ينازعه فيه أحد، فلا منّة لمؤسسة أو تنظيم أو صندوق تعليمي أو صحي على الفلسطيني.
- لا تعجبه سياسة رد الفعل التي تنتهجها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 25 عاما، فلا تتحرك إلا عندما يقدم الكيان الصهيوني على خطوة رديئة ضد الفلسطينيين، وكل خطوات المُحتل رديئة وضد الفلسطينيين، والحركة أو ردة الفعل تدوم فترة بسيطة ثم تموت، في انتظار اعتداء صهيوني آخر..وبدلا من ذلك لا بد من وضع إستراتيجية لمقاومة العدو الصهيوني سياسياً وعسكريا واقتصاديا وأولها مقاطعة منتجات العدو والإقبال على المنتجات الفلسطينية حتى لو كانت أقل جودة من منتج المحتل.
- لا تعجبه حالة الانقسام بين قطاع غزة والضفة الغربية، أو بشكل أدق، بين حركة فتح وحركة حماس، هذا الانقسام وصمة عار في جبين القضية الفلسطينية، ولا بد من توحيد القطاع والضفة من جديد، وهذه مسؤولية الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة، والسكوت عن هذه الحالة خيانة للقضية المركزية، وكنت أنتظر ومعي الشعب الفلسطيني أن يكون أول رد على صفقة القرن هو المصالحة بين الضفة والقطاع، بين فتح ومن معها وحماس ومن معها.
هذا القادم من وراء البحار، نموذج لعشرات الآلاف المغتربين، الذين اطلعوا على تجارب المجتمعات الأخرى، والنظم الأخرى، ولا يعجبهم كل ما سبق لأن هذا الواقع لا يليق بأصحاب قضية وطنية ومصيرية، ولا يعجبه ترك الأمور على حالها من الخراب والفوضى والتصادم، وهو اتجاه غير وطني وغير إنساني، فإن كان هناك من يعجبه ما لا يعجبني فليقل أو فليتوقف عن الثرثرة وكيل الاتهامات جُزافا، ولنتوقّف جميعنا عن تكرار الكلام الذي يدعو للإحباط وتكريس الهزيمة وتصنيف الناس من دون علم. ولنتّجه إلى البناء وإعادة هيكلة مجتمعاتنا ولا سيما مجتمعات الشتات، لأنها تتعرض للتدمير المنهجي يوما بعد يوم، تدمير أخلاقي ووطني وتعليمي وإنساني. يحق للفلسطيني أن يعيش بكرامة وشرف، وكفى ..
https://alyoum8th.net/News.php?id=727


