“كما أنا”، للدكتور عماد يونس فغالي من وحي “رسالة من كاهنٍ بسيط”.

 

رسالةٌ من كاهن بسيط

يا ربّ
أنا لست ابراهيم لأخذ سكيناً وأرفعه
لأذبح من أحببت وأكون في إيمان القيامة.

أنا لست اسحق لأرى سكين والدي
تنزل عليّ وأبقى في ثقة من محبته.

أنا لست يعقوب لاصارعك طول الليل
فليس لي قدرة على الوقوف برجلي المرتجفتين
ضعفاً والممتلئتين جروحاً.. فكيف أصارعك؟!

أنا لست موسى الذي يسجد ولا ينهض إلا أخذ منك العهد.

أنا لست إيليا لأصلي لك ستة مرات ولا تستجيب
والسابعة تعطيه غمامة قدر قبضة اليد.

ليس لي عين الإيمان لأبصر السماء فكيف أبصر غمامتك

أنا لست زكا الذي كافح وصعد الشجرة
ليراك فلم اتعلم التسلق بعد!!!

أنا لست نازفة الدم التي زاحمت الناس
لتلمس هدب ثوبك فأنا ليس لي قوة الدفع والمزاحمة.

انا لست الاعمى الذي زاد صراخاً:
ارحمني، فلا احتمل أن يزجرني الناس.

أنا لست غاسلة اقدامك من تحملت ألسنة من تكلم عليها واهانها فليس لى شجاعة توبتها.

أنا لست الابن الضال الذي نهض واتخذ قرار الرجوع ولم يحسب.

ولست مريم التي آمنت أنك ستقيم أخاها وسجدت لك.
بل

انا هابيل الذي قام عليه أخيه.
أنا يوسف المنسي بين جدران السجن.
أنا راحيل التي تبكي على أبنائها وتأبى أن تتعزى
لأنهم زالوا من الوجود.
أنا داود الهارب بين الغابات الساقط في خطيته الباكي أن ترحمني.
أنا السامرية التي ذهبت انت إليها ولم تنتظر أن تأتي اليك.
أنا الخروف الضال الذي لا يجيد العودة مالم تحمله على منكبيك عائداً.
أنا ابن الأرملة الميت والذاهب الي القبر.
أنا لعازر الذي أنتن، مربوط ومقيد في سلاسل الهاوية
وليس من يحيه أو يفك اربطته.
أنا المفلوج الذي ليس لي من يرميني في بركة الإيمان.
أنا المجنون العاري الذي بلا ستر الجامح الطائش
وليس ما يكبح جماحه.
أنا العصفور الخامس الذي بلا قيمة وبلا ثمن.
أنا الكوز الذي فرغ منه الزيت
والكوار الذي لم يعد فيه دقيقٌ لخبز كي نحيا.

أنا المصلوب عن يمينك بجرمي وليس لي إلا احسانك.

أنا مرتا الباكية على قبر اخيها..
ولم تعرف أنك القيامة والحياة.. وحين عرّفتها لم تؤمن!

لذلك
لا تنتظر مني فعلا ولا تطلب مني شيئاً…
فليس لي إلا عجزي… وضعفي…

إختصر انت المسافات
ومد يد عونك يا محب البشر وأنقذ عبدك…
سئمنا حياة انت لست فيها… والمركب امتلىء وكاد يغرق..
فقل كلمة لتحيا نفسي

‐————–

تعليق الدكتور عماد يونس فغالي

كما أنا…!!

“لكن قلْ كلمة واحدة…”.
أنا يا ربُّ أحبّكَ وأؤمن أنّي ابنُكَ. قابعٌ في عجزي، بل غارقٌ في متاهاتي وترّهاتٍ تبعدني عنك… تغويني أتخبّطُ بها، لكنْ أحبُّكَ وأريدكَ. أطمعُ أنّي متى ألقيتُ نفسي بين يديك، تحضنني هكذا بفيض… وأعرف أنّكَ حتى لا تنتظرني آتيك. تطوي المسافاتِ غير الزمنيّة، التخلو منها، وتلكَ المكانيّة الفوقها أنت، تحيا نفسي.
كلّ ما لستُه، وكلُّ ما أنا هو… تحسبُه كلا شيءٍ وتختارني… أصيرُكَ في الزمان علامةً فارقة، وبين أخصّائكَ دليلاً إليك…
يا ربُّ، أنا في عينيكَ قبل أن يُحبلَ بي في البطن. أقمتَني أسير إليك في ضعفاتي كلّها، وفي نقائصي أهتف لكَ…
ينظرونني فريدًا في تعاطياتي، جريئًا في مسلكي وكلامي… يعجبُهم الذين يرونني في النور. يبتعدون، الذين يمرّون في طريقهم المعتاد… ويزعجهم، من يقودون باسمِكَ ويرتعون في علاهم.
وأنا، أراكَ في حالكَ وأتركهم في حالهم.
يريدونني في نماذجهم، ولا يقبلون أنّي أنا، في عينكَ خاصّةٌ أعنيك!
وصلتْ إليّ خبراتُهم معك. المبادرون والطائعون. أفادوا منكَ وغنموا. معهم يا ربّ تعلّمتُ أن لا أعرفَ الخسارة!
واكتشفتُ البادرتَ إليهم وانتشلتَهم. من تلقّوا حبّك وخلاصك. هؤلاء أيضًا لم يعودوا خائبين…
لكن أنا اخترتُ أن أكون أنا، أن أكون نفسي وحسب. واخترتُ أن تقبلَني كما أنا. وأنا واثقٌ أنّكَ تفعل، من دون منّةٍ منّي ولا حتى طلب!
اعتاد الناسُ يعتقدون أنّكَ تجرّبهم. واعتدتُ عليهم يغافلونك. هم أحيانًا يحبّونك لتحبَّهم وتغدق عليهم نعمَك. فيجتهدون ألاّ يقعوا في التجربة. وإن يقعْ واحدٌ، انهالوا عليه بأحكامٍ نسبوها إليك… فيخاف. حسبُهم يردعونه!
أبوّتُكَ يا الله تغمرني، لا أخشاك. أثق بكَ تنشلني بأبوّتكَ من سقطاتي، تعيدُ إليّ مجد بنوّتي، تلبسُني حلّةَ بهائك.
أنا في لا تشبّهي بكَ ابنكَ كما في قِمّةِ عبادتك. إن أطمعْ بكَ، أستقِ من معينك. أنتَ أعطيتَني الكثير، حتى كلِّ شيء. أتنعّمُ أنا كما يحلو لي… في فضاءاتكَ الرحبةِ أفعلُ… لكَ يا ربُّ أنا… دائمًا!!

اترك تعليقاً