حين يكثر الذين يعيشون معك، يقلّ الذين يعيشون فيك، فتصبح وحيدًا.     بقلم: لوركا سبيتي

حين يكثر الذين يعيشون معك، يقلّ الذين يعيشون فيك، فتصبح وحيدًا. بقلم: لوركا سبيتي

حين يكثر الذين يعيشون معك، يقلّ الذين يعيشون فيك، فتصبح وحيدًا.
لا وقت لديك لتختار زاويتك المقعّرة، وتجلس فيها معك.
الحديث عن جدوى الحياة يتشابك صداه في دواخلك، ولكن لا جواب يشفيك.
تتأمل الشجرة الوحيدة التي تنعش هواء المدينة؛ حفيفها يدلّ على تعبها، توشوشك همسًا بأنك حقير، وأفضل ما فيك زوالك!
تروي لك قصتها معك، مذ كنت قردًا وحتى صرت ترابًا.
حملتك بين أغصانها سنين طويلة؛ نمتَ فيها، وأكلتَ منها، ولعبتَ معها، وقتلتَ وقُتلتَ أمام عينيها.
فشربت الدم الذي أرقته، وخبأت السرّ… ولكنك نسيت.
لبستَ ثوبًا غريبًا له أكمام وياقة وأزرار، وتعلمتَ لغة جديدة، وسمّيت نفسك “إنسانًا”.
تركتَ أمك الشجرة بلا مأكل ولا مشرب، وقطعتَ عنها الهواء حتى يبست.
صنعتَ من لحمها بيتًا، حدوده سقف وجدران وأبواب، بعد أن كانت حدودك السماء!
“القتل له أشكال عديدة”، تقول لك الأرض.
لم يمضِ يوم عليك دون أن تقتلني.
لم تكتفِ بالمشي على وجهي بقدميك، بل اخترعت آلات غريبة، بأشكال وأحجام متعددة، لها صوت الجحيم، وأقنعتَ نفسك بأنها ستسهّل عليك العيش.
تجاهلتَ حجم الألم الذي تحفره فيّ طيلة الوقت.
أسكَتَّ قدميك الحافيتين، ابتعدتَ عن ظلّك، فلم يعد يُمارِيك… وتكسّرتَ وسط الاحتمالات!

هل تظنّ أن ما يحدث للآخرين لن يحدث لك؟
أنك لستَ ذاك الذي قُتِل بسبب انفجار مفاجئ؟
أنك لستَ ذاك الذي دهسته شاحنة ثملة وهو يسلك طريق العودة مجددًا؟
لستَ ذاك الذي قصّوا لسانه ورموه في سجن العادة؟
لستَ ذاك الذي سرقوا عمره وجعلوه يعتقد بأنه هو السارق؟
أنتَ هم جميعًا… ستتأكد من ذلك حين يدفنوك حيًّا، وتتحوّل مثلي إلى أرضٍ يبصق على وجهها المارّة!!

#لوركا_سبيتي