المنزل رقم 626
قصة قصيرة بقلم بوفاتح سبقاق
حين تريد القيام بفعل الخير لا تتردد ، هذه المقولة التي طالما اقتنع بها
بكل بساطة لابد من التخلي عن المصلحة الشخصية من اجل مساعدة الآخرين .
دخل السوق و قام بشراء كمية من المواد الغذائية ، و الآن سوف يتوجه الى الحي الشعبي الذي يقع في وسط المدينة بمحاذاة محطة نقل المسافرين .
بعد دقائق وجد نفسه في مدخل الحي العريق ، في خريف العمر .. يعتبر ان المشي رياضة غير مكلفة و مفيدة للجسم .
إمرأة فقيرة ظهرت على هاتفه النقال هذا الصباح تشكو ضيق الحال و تطلب مساعدة أهل الخير … تأثر كثيرا بكلماتها و قرر مساعدتها فعلا مع غلاء المعيشة اصبحت الحياة صعبة على الجميع .
البيت المجاور للمخبزة الوحيدة في الحي ، لون الباب أزرق و مكتوب عليه رقم 626 ، يعني بهذه التفاصيل لن يجد صعوبة في العثور على منزلها.
بعد دقائق .. وقف امام الباب بطريقة استعراضية فيها الكثير من الشهامة و انقاذ ما يمكن انقاذه ، انه زمن الرداءة و الأنانية ، و بموقفه هذا سيكون استثناءا كبيرا في هذه المدينة الجاحدة.
فجأة فتح الباب و ظهرت فتاة في مقتبل العمر تبدو في غاية الجمال
وجودها لا يتماشى مع الإعلان الذي أثار انتباهه.
-هل هذا منزل السيدة كريمة ؟
– نعم ، نعم تفضل سيدي …
دخل بكل انبهار و دهشة ، قاعة استقبال فاخرة ، يبدو انه أخطأ في العنوان ، لا مظاهر للفقر في هذا المكان .
جلس يحتضن كيس المواد الغدائية ، الذي بدى أكثر خجلا منه ، انه منزل غريب و سيعرف ما يحدث قريبا .
عادت تلك الفتاة الجميلة التي فتحت له الباب ..منذ لحظات و أخبرته بأن السيدة كريمة ستأتي ، و فجأة دخلت إمرأة فاتنة .. جلست امامه بطريقة تحمل في طياتها طوفان من الإغراء .
نهض بكل نرفزة صارخا و محاولا الخروج ..
– ماذا يحدث هنا ..أين السيدة كريمة ؟
بعد لحظات من الترقب و الإنتظار وصلت المرأة التي استطاعت ان تجعله يبلتع الطعم و يدخل الى المنزل المشبوه.
– لا تشغل بالك عزيزي انت ضيفنا الغالي …
جلس بكل استغراب و قلق .. ينظر الى الحسناوات بكل دهشة و فجأة خرج من الغرفة المجاورة …
رجل طويل أعرج يرتدي بدلة مزركشة .
– لم تخبروني بوصوله ، أهلا بك البيت بيتك .
لقد تخيل في حياته كل السيناريوهات المظلمة و الحزينة .. و لكن ان يجد نفسه في مكان مقرف يتعارض مع مساره الإجتماعي و الوظيفي ….هذا ما لم يخطر على باله إطلاقا .
اقترب منه الرجل أكثر و بلهجة الواثق من نفسه قال له :
-لا تخف انها البداية فقط ، لن تندم على زيارتك لهذا البيت الرومانسي .. ضاع عمرك في الوظيفة و أعباء الأسرة ، آن الأوان لترتاح قليلا و تتذوق متعة الحياة.
حاولت فتاة الإقتراب منه و ملاطفته و لكنه استطاع ان يفلت منها و ينتقل للجانب الآخر ، انه آخر الرجال المحترمين ، في زمن الرداءة الشاملة .
و فجأة تغيرت الأوضاع و عمت الفوضى ، رجال الشرطة يدخلون المكان ، انها حملة لمكافحة الإنحراف الأخلاقي بالحي ، كانت سعادته لا توصف ، و أخيرا سوف يغادر هذا الكابوس المزعج .
-و أخيرا سقطت كريمة ، انت لست جديرة بهذا الإسم ، جميل ان يتم ايقافكم جميعا في حالة تلبس .
– انهم ضيوف عندي و ليس من حقكم دخول منزلي ، و هل لديكم إذن بالتفتيش ؟
– طبعا ، تفضلي أيتها السيدة الفاضلة .
تأثرت جدا بهذه اللفتة السيئة و هي تدرك بأن المسافة بينها و الفضيلة …سنوات ضوئية.
تحولت قاعة الضيوف الى تجمع بشري غير متناسق ، حيث تم اقتياد وجوه اخرى من مختلف الغرف ، فعلا انها لوحة رجالية نسائية تكعيبية غير واضحة المعالم ، الطويل ، القصير ، السمين والجميلة و القبيحة ، فعلا من ابدع هذه المشهد بأنامله الرومانسية هو الرغبة و المتعة التي تسكن الجميع ، كل من وطأت أقدامه المكان ، فقد عقله و ترك رغبته تقوده الى هذا المنزل المشبوه.
الوحيد الذي يبدو انه خارج اللوحة ، صاحبنا الذي جاء ليساعد إمرأة قست عليها الأيام ، و لكن وجد نفسه في قفص الإتهام .
اقترب منه الضابط بكل اندهاش … و سأله
-ماذا تفعل هنا أيها الرجل الطيب ، انت الوحيد الذي لم اقتنع بوجوده هنا..
– صدقت … ابني فعلا ليس لي علاقة بهم جئت من أجل تقديم المساعدة لإمرأة فقيرة و لكن يبدو انني أخطات في العنوان .
و لكن في نفس اللحظة اقترب منه ضابط آخر بدى اكثر حدة و أقل لطفا ، يشبه الضباط الذين لا يملكون أي شفقة في الأفلام المصرية.
-لا تفرح كثيرا أيها العجوز المنحرف ، مهمتنا ليست انقاذك من هنا
عملنا يقتضي تحويل كل من هو موجود في هذا البيت المشبوه للتحقيق مع الجهات المختصة.
اختفت بارقة الأمل الوحيدة التي ظهرت ، و لكنه وقف من جديد شامخا من أجل اثبات براءته .
– سيدي ذنبي الوحيد أنني جئت الى المكان الخطأ ..في الوقت الخطأ
هل هذا جزاء من يفعل الخير ؟
-عن أي خير تتحدث ، من يأتون هنا يفعلون الشر فقط ، مهمتنا الحفاظ على قيم المجتمع التي تدهورت بسبب هذه الأوكار المشبوهة .
بعد ثواني تدخل الضابط الاول من أجل انقاذ ما يمكنه انقاذه…
-في الحقيقة انت في حالة تلبس واضحة ، و لكن يمكنك اثبات نواياك للجهات المختصة لاحقا .
تم اقتياد الجميع في لمح البصر ، نساء شبه عاريات ، منظر بدى مقبولا ، في حين رجال مهمون جدا بقطع ثياب بسيطة ، اضاف للمشهد سخرية صادمة ، بالأخص حين مشى البعض منهم بطريقة كبرياء و كأنه بالبدلة الرسمية او فوق البساط الأحمر .
– ستدفعون الثمن غاليا ، انكم تنتهكون حرمة البيوت الشريفة….قال آخر الرجال الغير محترمين و هو يساق الى الخارج.
-عن أي حرمة يا رجل تتحدث ، نحن نقوم بعملنا فقط ….
السيدة كريمة قائدة الجوق الرومانسي ، بدت غير متأثرة بما حدث
تدرك بأن أي نشاط فيه مخاطر ، تفكر في كيفية الخروج من المأزق بأقل الأضرار .
عند مدخل البيت رقم 626 ، تجمع الكثير من الفضوليين من اجل مشاهدة موكب من نوع خاص ، رجال و نساء يسارعون الخطى
لركوب سيارات الشرطة و الهروب من العيون المتشوقة لمعرفة خبايا الحدث الذي ميز حي شعبي مغمور.
كان الرجل الطيب يمشي مع الموكب بكل قلق ، ممسكا بكيس المواد الغدائية بكل حرص ، بإعتباره دليل براءته الوحيد حسب ما يظن … فعلا الرجل أثار إنتباه الجماهير .
و لما أخد مكانه بمحاذاة نافذة السيارة ، اقتربت منه عجوز كانت في الجوار تشاهد الأحداث بكل تركيز ، نظرت إليه بكل حقد …
-عيب عليك أيها العجوز ، أمثالك يزورون الأماكن المقدسة ، و أنت تلهو في هذا البيت سيء السمعة.
للوهلة الأولى اراد ان يدافع عن نفسه و يقوم بتوضيح كل النقاط الغامضة لها ، و لكنها تراجع عن الأمر ، بقي صامتا ممسكا بكيس المواد الغذائية ، سيدخر قدراته في الإقناع و إثبات براءته للجهات المختصة.


