يوميات الخطيب (1)
قطة جارنا وقناة الجزيرة
ما زالت قطة جارنا تتمسّح بي كلّما شاهدتني، أطعمتها مرة واحدة، وقبل تناولها الطعام حرصت على ترك رائحتها فيّ بأن حكّت جسدها ببنطالي، ويبدو لي أن مواد التنظيف لا تنجح في إزالة الرائحة. ظننت أنها وقعت في حبي، وفي الحقيقة أنا الذي وقع في حبّها، ويوما بعد يوم، بدأت ترافقني إلى الشقة، تصعد الدرج ولا تدخل البيت، كامرأة حريصة على سمعتها. بدأت القطة تفهم مدى كرمي وتتصرف وفق فهمها، مرة ترافقني لطابق واحد ومرة تصل باب الشقة، ومرة تقوم بكل الإيماءات لتوصل لي فكرة كم هي جائعة.
في الشّقة، وأفضّل هذه المفردة على مفردة بيت، لأن البيت في مفهومي وتصوّري أمر آخر غير الغرف المتراصة والممرات الضيقة والمطبخ الممل. في الشقة، افتح التلفاز فور وصولي، فتكون قناة الجزيرة جاهزة لتوجيه ضربة لي؛ مشاهد الجوع في قطاع غزة، ويبدو أن مراسليهم، قبل استشهادهم، قد عثروا على حالات تحوّل فيها طفل أو اثنين إلى هيكل عظمي، فيمررون اللقطات سريعاً وسط الأيادي الحاملة الأواني الفارغة، وأطفال يلحسون بقايا الطعام من قاع الطنجرة.
بدأت أغضب وألعن من التقط تلك الصور الثابتة والمتحركة، وفكرت: إنهم لا يعرضون صور الجوعى، إنهم يعتدون على كرامة الأطفال والنساء، يعرضون الملامح كاملة لنساء وأطفال، ويعرضونها أمام العالم يستجدون أعلى نسبة مشاهدة.
قضية فلسطين لم تعد قضية وطنية أو إنسانية أو سياسية، بل أصبحت قضية (البقرة الحلوب)، كل من يريد الشهرة والثراء والتسويق يلتصق بالجوعى والمشردين والنازحين.
اليوم قدمت طعاماً لقطة جارنا، وحين لاحظتني ألتقط صوراً لها توقفت عن الأكل ورمقتني، كأنها تقول: ما هذه التفاهة؟!
أنور الخطيب
