مللت الصّبر       شعر: محمد محمد

مللت الصّبر شعر: محمد محمد

مَلَلْتُ الصَّبْرَ
أُريدُ ارْتِكابَ نَزْوَةٍ أُخْرى
كَأَنْ أَبْقى وَحيداً في أَرْضِ الشَّمالِ
دونَ أَنْ تُبْصِرَني قَذيفَةٌ
أَنْ أُمارِسَ هِوايَةً جَديدَةً
كَلُعْبَةِ الْمَوْتِ
بِلا انْتِظار
أَنْ أَموتَ مَوْتاً عادِيَّاً
غَيْرَ الّذي يَمُرُّ أَمامي في كُلًّ لَحْظَةٍ
أَنْ نَجْتَمِعَ مَعاً عَلى فِنْجانِ قَهْوَةٍ
وَقْتَ الْقَيْلولَةِ
وَالْمَسافَةُ ظِلُّ شَجَرَةٍ مَحْروقَةٍ
أُبْرِمُ وَالْمَوْتُ اتِّفاقَاً بَيْنَنا
وَقَبْلَ أَنْ نَنْفَضَّ أَهْمِسُ في أُذُنِهِ
ثُمَّ نَفْتَرِقُ عِناقاً
امْنَحْني أَيُّها الْمَوْتُ مَوْتاً كامِلاً
مَوتاً عَلى طَريقَتِيَ الْخاصَّة
مَوْتاً بِجَسَدٍ كامِلٍ
فَحينَ أَموتُ
أُريدُ أَنْ تَكونَ لي رَأْسٌ بِذاكِرَةٍ نَشِطَة
أُقَلِّبُ فيها شَريطَ مَنْ ماتَ قَبْلي
وَتُؤْنِسُ وَحْشَتي صُوَرُ الْبِلاد
أَنْ تَكونَ لي ذِراعٌ
أُوَسِّدُ عَلَيْها أَحْلامِيَ الْقادِمَة الْبريئَة
وَقَدَمانِ عارِيَتانِ أَمُدّهُما قُبالَةَ الْبَحْر
أَنْ يَكونَ لي ظَهْرٌ كامِلٌ
يُسَنِّدُ جُدُرَ الْجَنوبِ
وَكُلَّما انْقَضَّتْ خَيْمَةٌ أَقامَها
وَصَدْرٌ بِحَجْمِ هذا الْمَدى يَحْتِضنُ الْمَدينَةَ
وَيَسَعُ أَوْجاعَها
وَأَنْ تَظَلَّ عَيْنايَ مَفْتوحَتانِ عَنْ آخِرِها
لِتُطِلَّ عَلى الْبُيوتِ الْمَهْجورَةِ كُلِّ صَباحٍ
وَأَحْرُسُ في اللَّيْلِ شَعْبَ الْخِيام
فَمُنْذُ عامَيْنِ لَمْ تَعُدْنا شَمْسٌ وَلا أَقْمار
وَحينَ أَموتُ
أُريدُ ثَوْباً عَلى مَقاسِيَ مِنْ تُراب
أَنْ يَبقى فَمِيَ فاغِراً
وَلِسانيَ مُدَلَّىً
وَأَنْ تُرَضِّبَ شَفَتايَ بِالْمِلْحِ وَالطّين
فَذاتَ جِنازَةٍ سَمِعْتُ جَدّي يَقولُ:
إِنَّ الْمُدَنَ تَنْمو عَلى أَجْسادِ أَوْلادِها
مَلَلْتُ الصَّبْرَ
فَهَبْني أَيُّها الْمَوْتُ مَوْتاً كامِلاً
أُكَفِّرُ بِهِ خَطيئَتي
وَلا تُغَيِّرْ مَزاجَك

اترك تعليقاً