هاروكي موراكامي ..عندما ينتج الأدب فلسفةََ ! بقلم: أنطوان يزبك

هاروكي موراكامي ..عندما ينتج الأدب فلسفةََ ! بقلم: أنطوان يزبك

هاروكي موراكامي ..عندما ينتج الأدب فلسفةََ !

أنطوان يزبك

أشعر بخيبة شمعة ضحّت بنفسها لكي تضيء غرفة رجل أعمى !

بهذه الكلمات وهي مزيج من الجدّ والمزاح والسوداوية ، ننفذ الى عالم هاروكي موراكامي المركّب و الغائص في خضمّ عالمنا الإشكالي والذي لم نعد نفهمه بكل وعينا وحتى لا وعينا ، ففي هذه النظرة المرتبكة ، بات الوعي واللاوعي متجانسين إلى حدّ بعيد يتخاطبان على هاتف من موديل الستينات من القرن الماضي و[ الخط مقطوع ] !
أصبح هاروكي موراكامي ، كاتبا معروفا عالميا و ذاعت شهرته بعد أن نالت روايته : ” كافكا على الشاطئ” جائزة فرانز كافكا سنة 2006 مع أن أحداث الرواية لا علاقة لها بالكاتب فرانز كافكا بتاتا بل فقط ثمة تشابه في الأسماء ، على كلّ حال موضوع إسم الرواية يجلب جدلا كبيرا ولا أحد توصل الى جواب مقنع ، على العموم تبقى مسألة انتقاء العنوان كما هو مسألة لا قوة لنا ولا مصلحة في الخوض فيها .
يعتبر هاروكي موراكامي الكاتب الياباني ، من أشهر الروائيين اليابانيين في القرن العشرين وقد صنّفته صحيفة الجارديان على أنه من أعظم الروائيين الأحياء في العالم .
يتميّز أسلوب موراكامي بصفات متعددة أهمّها اعتماده طرائق الأدب الخيالي والواقعي في آن معا ، حيث يعمد الى مزج العناصر السريالية والفانتازية الى جانب العناصر الواقعيّة في قالب واحد ، مستندا إلى لغّة مبتكرة و مشوّقة فصار مرجعا و ملهما للعديد من الكتّاب المعاصرين ؛ بدليل أنّ الصفحات الثقافيّة تتقاطف أخباره وتنشر مقولاته كما لو أنّه نبيّ العصر الحديث ! …
تمزج مقولات هاروكي موراكامي بين السرياليّة والفلسفة والانفعالات العميقة لدى الإنسان كما سبق و ذكرت ، و تقدّم أفكاره للقلرئ من خلال تأمّلات عابرة للزمن في مواضيع مثل : الحبّ ، الفقدان ، الذاكرة. و الهويّة ، كلّها مواضيع تحثّ القرّاء على استكشاف عالم المشاعر غير المرئيّة والعواطف الإنسانية الدفينة .
ومن أقواله المتداولة اخترنا بعضها :
لا يمكن تحاشي الألم ، بيد أن العذاب هو محض اختيار .
يقصد موراكامي بذلك أن الإنسان لا يمكنه أن يتحاشى الأحداث المؤلمة التي تلمّ بحياته ولكن عليه أن يتحكّم بمقدار الألم الذي يسمح له أن ينال منه . وهو بذلك يصطفّ مع فلاسفة الوجوديّة مثل سارتر و كامو ، كما في مقولة : أنت تختار ما تود القيام به وليس القدر .
ويقول أيضا في موضوع الذاكرة : الذكريات تحمل إليك الدفء ولكنّها تمزّقك أيضا.
و ما يرمي إليه موراكامي هو أن هذه الذكريات الجميلة تقدم لك بعض العذوبة في حياتك ولكن استعادة الذكريات هو مصدر عذاب لأن في الذاكرة ثمة طبيعة متداخلة ومزدوجة ، كما في علاقة الحب والألم . لذلك يجب ان نعرف كيف وماذا نختار من تلك الذكريات الماضية و يضيف أيضا عن الذاكرة :
تستطيع ان تخفي الذكريات بيد أنك لا تقدر على محو التاريخ الذي أنتجها .
كما لو أن موراكامي يقول أن المرء يستطيع كبت أو تجاهل الذكريات ولكن الأحداث التي أنتجت هذه الحقائق تصقل هويتنا الى الأبد و كأن التاريخ يلبسنا من الداخل ويتجذّر فينا .
يقول أيضا : الموت ليس عكس الحياة بل هو جزء منها .
وعلى ما يبدو أنّه يقصد هنا أن الحياة والموت يتداخلان كما النسيج والموت ليس عدوّا مفارقا للحياة بل أن الاعتراف بالموت يمنح الحياة حقيقتها ومعناها .
ويقول موراكامي أيضا :
مهما كان الأمر الذي تبحث عنه فهو لن يأتي في الشكل الذي تتوقعه ، إذ غالبا ما تفاجئنا عطايا الحياة وتحدياتها . نحن البشر تحاصرنا توقعاتنا . وحده الانفتاح العقلي يسمح لنا بالإعتراف بالفرص التي قد تطرأ علينا في أشكال جديدة غير متوقعة . ويقول أيضا :
أنا أحلم هذا ما يجعلني أحيانا أعتقد أنّه أفضل عمل أقوم به ! فالحلم هو ملجأ ، وهو دليلنا في عالم معقّد للغاية . الخيال يمنحنا الصفّاء والأمل والهدف في أعمالنا في حين تفشّلنا وتغشّنا الحقائق الأخرى.
يقول موراكامي أيضا : في العالم ثمة أشياء تستطيع أن تقوم بها لوحدك وأشياء لا تستطيع فقط أن تقوم بها إلا مع الآخرين … وكأنّه بذلك يقول أن بعض مظاهر الوجود هي فرديّة
من مثل التأمل الشخصي والنمو الداخلي ولكن من ناحية أخرى بعض المظاهر لابد وأن تكون علائقيّة كالحب والمساعدة ، التوازن بين البقاء وحيدا والعلاقات مع الآخرين هو أمر ضروري للغاية !
وبذلك يكون هاروكي موروكامي قد أظهر نفسه روائيا متمكنا و فيلسوفا روحانيّا و إجتماعيا خبيرا في كل مجالات النفس والحياة . القراءة في الأدب العالمي تفتح أبوابا عديدة تحفّزنا على المعرفة وتجعلنا أرواحا متمرّدة على الطريقة الحبرانيّة. مهلا موراكامي قالها ذات مرّة لا أملك شيئا إلا روحي ! .

اترك تعليقاً