حوار مع انور الخطيب لمجلة أوتاد أجرته د. رنه يحيى

حوار مع انور الخطيب لمجلة أوتاد أجرته د. رنه يحيى


حوار:د.رنه يحيى
1) الأستاذ أنور الخطيب إعلامي وروائي وشاعر فلسطيني الجنسية، لبناني القلب . فأي الألقاب أحب إليك؟ وأين تجد نفسك كما تريد؟ وما الذي قدمه لبنان لأنور الخطيب؟
• أنور الخطيب: لا بأس، نبدأ بسؤال إشكالي يحتمل إجابات كثيرة، لكنني سأكون طيّباً وإيجابياً، فقد وُلدت في لبنان ودرست حتى مرحلة الثانوية العامة، ثم غادرت إلى الجزائر للدراسة الجامعية، فدرست الأدب الإنجليزي، ثم بدأت التنقّل بين البلدان العربية، إلى أن عدت أخيراً إلى لبنان قبل سنوات قليلة، لكن، وهذا ما يدهشني، إن إحساسي بالغربة تراجع كثيراً في لبنان، فتراجعت مفردة (المنفى) في قصائدي، بعد أن كانت طاغية، وهذا أجمل ما قدّمه لبنان لي، إضافة إلى احترام وتقدير لبنان لتجربتي وعطائي الأدبي، فأنا إنسانياً، لبناني بقدر ما أنا فلسطيني.
2- تقول في كتابك “لست الذي في المرايا”: حين يضيع اسمك لا تسل أحدًا عن اسمك/ عد لأبيك أو لأمك… فما هو دور الأم المنجبة ، والأم القضية في حياتك عامة، وفي شعرك خاصة؟
• أنور الخطيب: لا فرق لديّ بين الأم المنجبة والأم القضية، كلتاهما قضيّةـ وكلتاهما حضن عاطفي ونفسي وسياسي ووجودي. أمي سيّدة أشعاري، كنت أخاطب حضورها وأمزجها بالأم القضية، أما الآن فإنني أخاطب غيابها، بل أخاطب حاجتي إليها، فأنا لم أعش إلى جانب أمي كثيراً، لقد ربّتني المنافي، وعشت مع أمي في السنوات الآخيرة من عمرها، وهي أهم سنوات حياتي، لأنها القصيدة التي لا تنتهي، والألم المستدام.
3- لعناوين رواياتك وقصصك القصيرة نصيب كبير من الدهشة والتميز ، حيث تعكس الكون بطبيعته وروحانيته. فما سر فتنة هذه العناوين؟ وما علاقتها بشخصية أنور الخطيب؟
• أنور الخطيب: كل رواياتي وعناوينها تشكّل شخصية أنور الخطيب، أنا لا أكتب من فراغ ولا من الخيال، أكتب ذاتي في الشعر، وأوزّع ذاتي على شخوصي في الروايات، ولا يتم هذا بالمعنى الحرفي، إذ يقتضي الفن الخيال والرمز والفانتازيا والإيهام، لكن الفكرة الأساس حقيقية. أما بالنسبة للعناوين، فأنا أشرك الآخرين وأقرب الناس باختيار العناوين، أحياناً أوافقهم وأحيانا أختلف معهم، وفي النهاية اختيار العنوان هو كاختيار اسم المولود.
4- في رواية ” رقصة الفيلسوف” تقول، الأسئلة تداهم المفكر كما تفعل القصيدة بالشاعر. فكيف تداهم القصيدة أنور الخطيب؟ وما برأيك المعايير التي يمكن لاي كاتب أن يمتلكها ليكون شاعرًا حقيقيًا؟
• أنور الخطيب: أولا، لست في مقام تعليم أحد لأن الإبداع لا يُعلّم ولا يُدرّس، إنما قد يناقش صاحب الخبرة المواهب في نتاجاتهم. أما بالنسبة للقصيدة، كنت في السابق أنتظر ما يُسمّى الوحي، وهو مجموعة من العناصر النفسية والعاطفية والثقافية والجاذبة، تجتمع كلها حين يقدح شرر المعنى، أما الآن، فإنني أذهب للوحي عامداً متعمّداً، متسلّحا بعاطفتي وبخيالي وفكري وثقافتي ومعارفي وخبراتي ولغتي وبياني، وأطارد الفكرة في دهاليز الحياة، والقصيدة تكمن في متعة عدم القبض عليها، المتعة في المناوشة والمراوغة..
5- ما القصيدة التي لم تكتب بعد عندك؟
• أنور الخطيب: هي المرأة التي لم أعشقها بعد.. هكذا بكل بساطة، الوقوع تحت سطوة العشق، الذي يتحوّل إلى قصيدة شهية بلا حدود..
6- في أغلب رواياتك نلمس ذاك النفس الفلسفي الوجودي الواقعي أحيانًا، وأحيانًا اخرى المثالي الأفلاطوني. فما مرجع هذا الصراع أو التنوع ، وما علاقة الفلسفة بالشعر برأيك ؟
• أنور الخطيب: صدرت لي 16 رواية، تراوحت بين العاطفي والوطني أو المزج بينهما فتولج الرواية الفلسفية، ففي الروايات الوطنية لا يمكن تجنّب الواقعية، مثل روايات/ رحلة الجذور، رائحة النار، أبابيل، وفي الروايات العاطفية لا مناص من المثالية الأفلاطونية والعاطفة المجنونة مثل روايات: مسّ من الحب، سماء أولى جهة سابعة، وفتنة كارنيليان، وفي الروايات الفلسفية لا نستطيع إلا المزج بين المدارس جميعها وأهمها الرمزية والسريالية مثل رواية الكبش، وفي كل رواية من رواياتي ستعثرين على العاطفة والفلسفة والوطنية، فهناك تنوع وليس صراعاً كما تفضلت.
أما بالنسبة للشعر والفلسفة، فالنص الحديث إن لم يكن يطرح أسئلته وعبثه فإنه يتحول إلى نثر عادي، الشعر يقوم الآن على محاورة الوجود والأنا والآخر والتحرّش بالثوابت كلها..
7- بتنا نعيش في عوالم افتراضية مدة أطول من عالمنا الواقعي. فما الذي يميز الأديب أنور الخطيب في عالم مليء بالثمين من الإنتاج الإبداعي والفقير والمزيف من مدعي الثقافة والكتابة ؟
• أنور الخطيب: بدايةً، وسائل التواصل الاجتماعي لم تعد افتراضية بالمطلق، وهي في عصرنا ضرورة، وأتعامل معها من هذا المنطلق، وميزتها أنها حررت الكاتب من المحرر الثقافي، وإن كان هناك ما يميزني فهو صدقي في الكتابة، وإيماني بقضيتي، ليست فلسطين فقط، إنما كل المنظومة القيمية، فأنا أحاول إحداث تعشيقاً بين حياتي وإبداعاتي، بمعنى تحقيق الانسجام، فلا يجوز أن أكون شاعراً جميلاً وسلوكي قبيحاً..
8- كشاعر تكتب النثر بحرفية عالية وإحساس مرهف. ما موقفك من حال الشعر الموزون في هذا العصر، وما الذي يمكن النثر برأيك من أن يطغى ويستغيث ذائقة الغالبية من المتذوقين للشعر وفنونه وأشكاله؟
• أنور الخطيب: أنا أكتب الشعر الموزون، أي القصيدة الكلاسيكية، وفي معظم الأحيان أحتفظ بها لنفسي، لأنني مهما تفوقت فلن أضيف ما يمكن أن يذكره التاريخ، وهذا مأزق القصيدة الكلاسيكية الآن وفي كل العصور، قدرتها على التّميز والإضافة، وأن تحجز لها مكاناً في تاريخ القصيدة ذاتها. لا أنكر أن الإيقاع يسحرني، ولكن حين يكون مصحوباً بتجديد في الصورة الشعرية وصدق العاطفة، ولهذا تحررت من القافية والصدر والعجز وبدأت أحفر في لغة النص وعالمه وإشكالياته، ولا أدري إن كان التاريخ سيذكرني أو يذكر القصيدة الحديثة كلها، لأن هنالك شبه حرب على النص الحديث.
9- في “المغيّب الناجي من التأويل” كثير من الحب ومناجاة الحبيبة، وكثيرة هي المرأة بحضورها وأثرها . فما القضية الأولى في فكر الشاعر والروائي أنور الخطيب؟ مشيرًا إلى هذه القضية بنص من إبداعاتك.
• أنور الخطيب: لا توجد قضية أولى، هنالك قضايا، كل نص حقيقي هو قضيّة، والمرأة هي قضايا وليست قضية، بأبعادها العاطفية والوجودية والشهوانية، وفي رأيي، تراجع الشعر حين عجز عن التعامل مع المرأة كما يليق بها، ولا أعني الجمال والأنوثة والأمومة، إنما ككائن لا تستوي الحياة من دونه.
(لملمي صوتي عن الجدران يا أم/ عن رفوف مكتبتي، وعن كتفيكِ، وعن معطف الذاكرة،
واحشريها كلّها في عروة الليل، سيقتادونني مكبّل العينينِ إلى جهة أعلمها
تلك التي مكثت فيها سبعين عاماً، صنعتُ فيها سبعين مفتاحاً، وأفرجوا عنّي، بكفالةِ سبعين قفلاً،
آه أيتها اليتيمة الأرملة، احرقي باب بيتنا، بتُّ أكره الطّرْقَ، سيعودون بعد قليلٍ ليشنقوا نظرتيك اللتين ودّعتاني/ وصورتي حين كنتُ طفلاً، أحمل بندقية من خشب
آه أيتها المرحومةُ، احرقي بيتنا كلّه، وسُدّي ثقب حرفي، بنظرتيك …).
10- في ظل سطوة وسائل التواصل الحديثة، نراك تخوض التجربة بكل جرأة، فأين موقع الكتاب الورقي، وهل هذا اعتراف مباشر لشاعرنا بأن خوض هذه الوسائل هو ضرورة ملحة للبقاء والتطور؟
• أنور الخطيب: الكتاب الورقي موجود، وسيبقى الكتاب أنيس الإنسان يحمله في كل مكان، والكتاب الورقي هو المرجعية المعترف بها، وهو الذي يوثّق نتاجاتنا الثقافية والعلمية، إذ على الرغم من اكتساح العالم الرقمي لحياتنا، إلا أنه لم يتحول إلى مرجع موثوق، ناهيك عن أن التأكد من موثوقيته عملية معقّدة. وأنا أفصل بين وسائل التواصل الاجتماعي كفضاءات وشرفات نطل من خلالها على الآخر الحقيقي والافتراضي، وبين الثورة التقنية والتكنولوجية التي حملت معها ثورة معرفية، باختصار، من لا يستخدم هذه الوسائل فإنه يخسر الكثير، ونعم استخدامها ضرورة ملحة.
11- كثير هو نزفك، وغزير هو إنتاجك الأدبي، ومزدحمة هي أيامك في الساحات الثقافية والأدبية. فما هي الوصفة لبقاء جريان ماء الكتابة عندك والتي تقدمها للكتاب الشباب ليستثمروها؟ وما الزاد الذي جنيته من مشاركاتك في الفعاليات كمشارك أو كزائر مستمع؟
• أنور الخطيب: الاستدامة في الكتابة والتوهّج نابع من تحويل الكتابة إلى سلوك يومي، وتحويل كل المشاهدات اليومية إلى نصوص إبداعية، الكاتب يجب أن يكون في حوار دائم مع تفاصيل الحياة، وأن لا يطمئن لمشهد، وأن لا يتأقلم مع سلوك.. أما ما جنيت من الفعاليات، إن بالمشاركة أو الحضور، فهو التعرف إلى مشهد غنيّ وثري في تنوعه وإبداعاته، لكنني، وأصدقك القول، بدأت أراجع مسألة الحضور لأنها تتعبني، خاصة حين أعود صفر اليدين إلا من مقابلة الأصدقاء. وبدأت أشعر أنها تستهلك وقتي وطاقتي، لهذا سأنتقي في المرحلة القادمة.
12- إذا أردت أن تقدم نصيحة لكل من : الشاعر، الروائي، المتذوق،الإنسان، فما هي تلك النصائح.
• أنور الخطيب: كما أنصح نفسي بالصدق ومواصلة التعب والتواضع. تورّم الأنا هو أخطر أمراض هذا العصر، وأخطر أمراض الساحات الثقافية.
13- في ديوان” مري كالغريبة بي”، تراءى لنا هذا السؤال: هل يخاف أنور الخطيب الحب أم يشتهيه، وهل كان الحب هو المولد لشعره وقصصه ورواياته، أم كما نسمع ونكرر أن الشعر يولد من رحم الألم والفقد؟
• أنور الخطيب: أنا لا أخاف الحب ولا أشتهيه وإنما أحرص على وجوده في حياتي كحرصي على خفقان قلبي ونبض شراييني، وحين أجد نفسي خالياً من الحب، تصبح الحياة مملةً وكئيبة ومنفّرة، نعم، الحب هو المولّد لأشعاري ورواياتي، بمعنى أن الحب هو الدافع للكتابة وشرط لحياة مميزة، والحب كما تعلمين أكبر وأعمق من الكلمة التي يتداولها الناس، حين يغيب الحب تتعطّل إنسانية الإنسان، وتكثر الأمراض النفسية والعضوية، أنا إنسان لا أكره ولا أحقد ولا أحسد.. والحمدلله.
14- بصفتك ضيف هذا العدد من مجلة أوتاد، وكونك مختص في مجال الإعلام أيضًا، أين ترى دور الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب في قضايا الإنسان والوطن والعروبة. وما دور الشاعر هنا كأداة إعلامية.
• أنور الخطيب: أخشى أن الشاعر لم يعد أداة إعلامية إلا في حدود ضيّقة جداً، وحين يصبح أداة إعلامية تنتفي عنه صفة شاعر. أما دور الإعلام في قضايا الإنسان والوطن والعروبة، فهو أمر نسبي، هنالك إعلام حزبي وإعلام رسمي، وكلاهما يتعاطى مع قضايا الوطن والإنسان انطلاقا من مصلحته العليا. الإعلام العربي الآن، رغم انتشاره وتعدد وسائله، إلا أنه يعيش اسوأ أيامه، لأنه يبحث عن المموّل والداعم، وهؤلاء لديهم سياساتهم غير الوطنية وغير الثورية، طبعاً هناك منصّات إعلامية لا تزال تؤمن بالعروبة والقومية والإنسان كقيمة تاريخية وخيرية، لكنها قليلة جداً.
15- من متابعتك الدائمة لمجلتنا أوتاد، ما الذي قد تهدينا إياه؟
• أهديكم محبتي وأمنياتي لكم بالنجاح والتوفيق ومواصلة التألق:
(أكتب في الليل الدامس، لا لأهرب من عين الرقيب، إنما كي لا أراني،
الضوء يفضحني، يشي بي، يقيّد يديّ معناي
يصوغني صيداً سهلاّ للعابرين، ال يرمون قلبي للذئاب.
في العتمة..يلد الحرفُ أختَه، فتأخذه سنبلةً، يصير رغيفاً
حمرةً لشفتيّ القصيدة، حيث المساء وليمةُ الصعاليك، أشبههم كثيراً
كذلك العتمةُ الحُرّةُ، تمنحنا أجنحة الجهات
لا لنهرب من التراب، إنما، كي نرسم جهة خامسة
للضوء..)

اترك تعليقاً