حين سُئلتُ: من الكاتب الذي تتمنى الجلوس معه عبر العصور؟ كان جوابي بسيطاً ومباشراً: أتمنى لقاء أنور الخطيب.
قد يبدو هذا غريباً للبعض؛ لماذا لا أتمنى المتنبي أو محمود درويش أو غيرهما من الأسماء التي صنعت مجد الشعر والأدب؟
الجواب عندي واضح: أنا لم أقرأ أحداً كما قرأتُ أنور الخطيب، ولم يأخذني كاتبٌ أو شاعرٌ من أعماقي لأغوص في عوالمه بهذا القدر.
ثماني سنوات وأنا أقرؤه بلا انقطاع. قرأتُ تقريباً كل أعماله: ست عشرة رواية، اثني عشر ديواناً، نصوصاً وقصائد ومقالات متفرقة، لم أترك حرفاً واحداً منها يمرّ. هناك سرّ غامض في كتابته، شيء لا يُشبه أحداً ولا يمكن أن يُختصر، هو مزيج من الدهشة والصدق والوجع.
لهذا لا أطلب المستحيل ولا أبحث عن وهمٍ بعيد؛ كل ما أريده أن يطيل الله في عمري وعمره، وأن يمنحني فرصة الجلوس مع هذا الكاتب الأديب الشامل. أن أستمع إلى بُحّة صوته المبللة بالدمع وهو يتحدث عن الغربة والوطن، أن أراه بين جمهوره الذي يصفّق بحرارة للقصيدة ودهشتها قبل أن يصفّق للشاعر نفسه.
قرأت المتنبي ودرويش والسياب وكل الشعراء الكبار كما قرأهم الناس، لكنني لم أقرأ أنور الخطيب كما يقرأه الناس. أنا أقرأه كما لو كنتُ أكتشف نفسي في كل سطر، وكأنّ بيني وبينه عهداً غير مكتوب. وربما لهذا بالذات أحلم بلقائه، لأنه بالنسبة لي ليس مجرد كاتب، بل تجربة كاملة من الوجود واللغة والحنين.
جواد العقاد


