لماذا.. زايد؟
بقلم عبدالغفار حسين
لم تكن وفرة المال وحدها هي التي مكنت زايد من أن يحقق ما كان يصبو إليه، بل كانت الهمّة العالية لدى هذه الشخصية القيادية هي المحور.. كان زايد بن سلطان يعيش على الفتات التي تصله يوماً وتمتنع عنه لأيام وهو في واحات العين في منتصف الأربعينات من القرن الماضي، حيث كان كل شيء يشير إلى الجفاف.. الصحراء والحالة الاقتصادية وطرق العيش والناس أيضاً.. ولكن الرجل، زايد بن سلطان كان كما هو في الأصل سيداً ونوخذة عالي الهمّة يتخطى الصعاب ويجابهها ويدير الدفّة بمهارة لا يقوى عليها إلا النواخذة المهرة الكبار.
وجاءت المصاعب تظهر الواحدة تلو الأخرى في حياة زايد وهو في هذه البقعة الغالية من الوطن وأرضه وأرض أجداده، العين وما جاورها من الواحات.. تمرد العشائر القبلية وخضوعها لإرادة مستوحاة من الخارج، وطمع هذا الخارج في التوسع على الأرض، وعدم وجود أية قوة تستطيع أن توقف الأطماع عند حدها.. فكان زايد لا يهن ولا يتخاذل رغم كل الظروف السلبية المحيطة، وكانت دعوته إلى إنشاء جيش وطني ولاؤه للوطن وليس للعشيرة والقبيلة، فكان له ما أراد، تكونت قوة ساحل عمان التي أصبحت بعد ذلك نواة الجيش الإماراتي.. ودعا زايد شباب البدو الذين كانوا طاقة سلبية معطلة للانخراط في التدريب العسكري وتلقي مبادئ التعليم الذي يجعل منهم مواطنين صالحين خارج حدود القبيلة الضيقة، واستطاعت خطته أن تنجح نجاحاً منقطع النظير، وتمكن الجيش الذي أسهم زايد في تكوينه بالتوجيه والإرشاد والدعم من أن يجعل للوطن هيبته ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
وأصبحت واحة العين بقعة تسر العيون بما فعله زايد من أجلها حماية وعمراناً وتشييداً، وكان ذلك في الوقت نفسه تمهيداً ليخرج زايد عام 1966، إلى الملأ، زعيماً وقائداً يشار إليه بالبنان وتشرئب إليه الأعناق، ويمهد زايد لهذه الدولة التي انتقلت من مرحلة حسنة إلى المراحل الأحسن خلال أقل من خمسين عاماً من عمرها المديد.
وفي النهاية فإن من أحسن علامات القيادة عند زايد أنه كان قدوة للذين أتوا من بعده وساروا على طريقه، وطالما يتم سلوك هذه الجادة التي مهدها زايد، فإننا بإذن الله واصلون إلى الهدف الآمن والمنشود.
في مثل هذا الشهر المبارك من عام 1425 هجرياً، انتقل زايد بن سلطان إلى رحاب الله وكل الناس راضون عنه في الغرب والشرق لأن زعامته لم تقتصر على جغرافية محدودة من الأرض، بل احتل قلوب الناس بإنسانيته وبُعد همته وما بذله في سبيل إصلاح شأن العرب والمسلمين وغيرهم، فرحمة الله على زايد، وندعوه تعالى أن يحشره مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.
بقلم: عبدالغفار حسين
agh@corys.ae
عن جريدة الخليج
http://www.alkhaleej.ae/supplements/page/82778bea-cfbb-4c50-b9b7-f75691139807