قابض على جمرك 
أنور الخطيب
أمر منذ خمسين شروقا
وخمسين غروبا
وخمسين تداخلت في بعضها
باختبار عشقها،
ففي لحظة اكتمال بدرها
تمد لي النجوم أذرعاً من الضوء
تكوّن لي من الليل موجةً بيضاءَ
فوقها قوسٌ من الرغبات
وفرقةٌ راقصةٌ من نيرانها،
وفي لحظة االعناق بين شهيقها وزفيرها
حين أكتب من رئتيها قصيدها
ترسم المسافاتُ لي أشجارَها
وفاكهةً على كل غصنٍ
تقايض آدمَ بالجنةِ
أو بمتعةِ الارتجافِ في خلودها،
أمر منذ خمسين خلوةٍ
بخمسين مما يعدُّ الغريب
من تعاويذَ وآياتٍ أستمدها من حصونها
وأخرج أحمل كلَّ الجهات
مشقوقةً من دبورها،
قابضٌ على جمر أحرفكِ البعيدةِ
أكتب بين سطوركِ ما تيسّر منّي
وأرضى بحرقي،
سائرٌ على سراطِ موجك
أرفع ساريةً من الفضّةِ
أغري النوارسَ كي تقودني
إلى يابسةٍ تؤثثينها
بما أوحت لنا أسرّة اليابسة
وأهديك منقذي من غرقي،
أبعثر كلَّ الخلايا في كلِّ ليلةٍ
أوزّعها بالتساوي على قارئات النجومِ
كي تهدّئ من روع أقمارها
وتفتح لي ثغرة في الانتظار
ألتقي بخلقي،
أناشد حاملَ المصابيحِ
ليرسمَ في جهةِ الليلِ
بيتاً كقلبي وقلباً كبيتي
ألوذ به من تعتّقي..
فلا تمر خمسون أخرى
لاختبار شوقي،!
لم يعد لعينيّ ما لعينيّ
من بصيرة لاكتشاف السراب من القباب،
ملأتُ أحداقَها حدائق من طينك الشهيّ
أحطتُها برؤياكِ ثم أغمضتُها لأدخلَ واديكْ،
هئنذا أخلع نعليّ أمام ناركِ المرتجاة،
وأدخل في لظى التولّهِ في محرابكْ
فليس في النار سوى خيالك الأنيق،
يصَاعد مثل شهقةِ الدمِ في دهشة العقيق،
وليس في البحر سوايْ
أنا الغريق الحي والحي الغريق
أُلقيت في اليم لينقذني حراسُكِ الحائرون:
أهذا رجلٌ أم نبيٌ أم عاشقٌ يعتريه الجنون،
ميّتٌ حيٌ، وحيٌ ميّتٌ،
ممدّدٌ راقص، وراقص ساكنٌ
يعتريه الصهيل كما تعتريه المنون،
يمشي على صفحة الماء
مثل ظل السماء،
يرفع تارة شراعا وتارة ترفعه طيور الماء،
حراسك الرائعون يشهقون،
يقبلون عليّ كما آية تنزلت على العيون،
وحين تلامس قافلةُ الماء رملك المثير،
يختفي حراسك العارفون،
فليسوا سوى بعض جندي،
تسلّلوا مني بمعرفتي،
كي يؤثثوا المكان بالبيلسان
يلوّنوا الهواء بالأرجوان
ويصنعوا ستارة الزمان
فلا زمان حين نلتقي
لا مكان حين نلتقي
لا لقاء حين نلتقي
نحن كل شيء في مثلث الانهمار،
نحن غيمه، وبرقه، وماؤه،
ونحن قبلة الشمس للماء
حكاية الأمطار،
فامطري، وتماطري
وطيري، تطايري،
ودوري، ودوّري
فكل شيء مستباح
يا بنفسجة الليل
ورعشة الصباح.
