الشاعر” في المفهوم الحبلصيّ      بقلم: الدكتور عماد يونس فغالي 

الشاعر” في المفهوم الحبلصيّ بقلم: الدكتور عماد يونس فغالي 

“الشاعر” في المفهوم الحبلصيّ

بقلم: الدكتور عماد يونس فغالي

بين أن تكون شاعرًا وأن يكون لكَ مفهومٌ في الشاعر، قصّةُ شموليّةٍ تطالُ العقيدةَ الشعريّة في اعتناقها هويّةً أو دراسةً، وربّما هويّةً ودراسة، فتتكوّن قناعةً مُعاشة ومنادىً بها أيضًا وأيضًا. تبرز في هذه، قولةُ شاعرنا الحبلص: “على معلّم الشعر وتقنيّاته، أن يكون شاعرًا في الحدّ الأدنى أقلّه”.

تبيّن القولةُ الحبلصيّةُ هذه، حقيقةً جعلتْني أضيء عليها ههنا: الشعرُ في ذاته هو الشاعرُ نفسُه. بتعبيرٍ آخر، الشاعرُ متى يفكّرْ، تكنْ فكرتُه شعرًا. وإن يكتبْ، تبَنْ جملتُه صورةً وإبداعًا. غير هذا أنتَ في صناعةٍ شعريّة ليس إلاّ…

في عَودٍ إلى مصطلح المفهوم، الشاعر مصطلحًا، مفهومٌ هو أيضًا. وهو مفهوم كلّ شاعر، يتبنّاه ويحياه. وبالاستناد إلى أعلاه، مفهوم الشاعر يتضمّن حكمًا مفهوم الشعر عند الشاعر، مادّةً وفنًّا وتقنيّات.

جديرةٌ في هذا السياق، الإضاءةُ على هويّةِ الشاعر الشعريّة. شائعٌ اعتبار مصطلح الشاعر لقبًا، يُعطى لمن يكتب الشعر، أو يعطيه لنفسه من يدّعي كتابةَ الشعر. حقيقةُ الشاعر ليست هنا. الشاعرُ شخصٌ طبيعتُه الشعر. بتعبيرٍ أوضح، الشعرُ هويّةُ الشاعر. الطبيعة الشعريّة صفاتُ الشعر، يتحلّى بها الشاعر. لنا في شاعرنا محمّد حبلص شواهدُ من شعره وشخصه على السواء.

“تُيّمتُ بالحُسن يغويني كقافيتي”. يلبسه شعره إغواءً يقول.

وفي اقتناعه يصف الشعرَ تحوّلاً يقاوم الثبات. تفهم جليًّا كم الصفةُ عند الحبلصِ فعلٌ لا حالة. من يقرأ شعرَ الحبلص، يصنّفْه متنبّيَ يومه. ويرميه بصفةِ المقلّد الشاعر العبّاسيّ. وفي هذا جمودُ محمّد حبلص عند النفَسِ المتنبيّ وصورة استعاديّة له. لكنْ من يقرأْ يا أحبّةُ بمعرفةٍ، تُضئْ له الأبياتُ الحبلصيّة تجاوزًا كبيرًا لشعر المتنبّي، من حيثُ الموضوعاتُ أوّلاً، والمفردات اللغويّة ثانيًا، والمخزون المعرفيّ فيهما وأكثر. هذا يقولُ فيه: “علينا أن نتجاوز المبدعين بإبداعٍ جديد”.

تعالوا أيضًا إلى عناوين دواوينَ له: قصائد عاشقة، قصائد متمرّدة، قصائد كتبتها الشمس. هي القصائدُ الفاعلة فعلَ الشاعر. كأنّما هو شاعرٌ لأنّ قصائدَه تعشق، تتمرّد، تكتبها الشمس.

“الشعرُ ذاك الذي أعطى الورى حكَمًا…

والشعرُ ما يأخذ العشّاقَ في طربٍ…”

ويروح شاعرنا في تحديد شعره حدّ البطولةِ الشعريّة. ولأستعملَ تعبيرَه: حدّ الفحولة. يقولُ في قصيدته “أنا ناسجٌ روحي”:

“أرى الشعرَ مثل الحرب يردي صغارَه،

له خيله، فرسانه وصوارمه

تكلّفتُ فيه كلّ فنٍّ، فإنّني

من الحسنِ مغنيه، من القبحِ عاصمُه

ويذهلني شعري كأنّي غريبُهُ

حتى كأنَّ النور للناسِ ناظمُه…”

القراءةُ في الشعر الحبلصيّ، مغامرةٌ عاصيةٌ على المارّين عرَضًا في القرب. الأنا في شعره، أفاعلاً كانت أم حالةً، هي القصيدةُ في بُنيتها، وفي صورتها الإبداعيّة، وفي دلالاتها… بين قصيدته و”أنا” فيه، انتفت المسافةُ إلاّ من قارئ. على قدر التقاطِ المرسلة أو تفلّته منها، يقرب الأخير مسافةً من شاعرنا أو يبعد. مدركٌ حقيقتَه هذه قائلاً:

“فلا تأبهْ لذي زغبٍ صغيرٍ

فإنّ النسرَ ملعبُه الفضاءُ”.

ويكملُ إدراكتَه كأنْ بوجوديّةٍ:

“ولي لغتي بها أحيا عزيزًا

ولي في حبّها خبزٌ وماءُ

هي البركانُ يغلي في عروقي

وفي قلبي – كذاكَ- هي الضياءُ

ولي لغتي وإن عانيتُ فقرًا

هي البيتُ المشيّدُ والرداءُ”…

الدكتور محمّد، تنظمُ الشعرَ حيًّا في سياقاتكَ، على خلفيّةٍ معرفيّة واعية. تحلّقُ بأبياتكَ عاليًا لنخالَها أجنحةَ شخصكَ الشاعر. في اعتقادي هذا حسبُكَ.

إنْ تتلقَّ دعوةً إلى نشرِ مفهومكَ في الشعرِ لما فيه من غنىً معلوماتيّ ممتع وشيّق، أشرْ إلى نتاجكَ الفائض بالمفهومات الشعريّة موقّعةً باسمِكَ. على أديم الجمال، يجدوا ضالّتهم تقودهم إلى ارتقاءٍ!!

في ٢٣ كانون الثاني ٢٠٢٥

اترك تعليقاً